(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) (١٠٣)
____________________________________
فإن ذلك إنما هو لعدم استعمال مشاعرهم فيما عرض لهم فى الدنيا من الآيات وإعراضهم عنها مع كونها أسبابا منجية عما ابتلوا به فى الآخرة (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أى كفروا بى كما يعرب عنه قوله تعالى (عِبادِي) والحسبان بمعنى الظن وقد قرىء أفظن والهمزة للإنكار والتوبيخ على معنى إنكار الواقع واستقباحه كما فى قولك أضربت أباك لا إنكار الوقوع كما فى قوله أأضرب أبى والفاء للعطف على مقدر يفصح عنه الصلة على توجيه الإنكار والتوبيخ إلى المعطوفين جميعا كما إذا قدر المعطوف عليه فى قوله تعالى (أَفَلا تَعْقِلُونَ) منفيا أى ألا تسمعون فلا تعقلون لا إلى المعطوف فقط كما إذا قدر مثبتا أى أتسمعون فلا تعقلون والمعنى* أكفروا بى مع جلالة شأنى فحسبوا (أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي) من الملائكة وعيسى وعزير عليهم* السلام وهم تحت سلطانى وملكوتى (أَوْلِياءَ) معبودين ينصرونهم من بأسى وما قيل إنها للعطف على ما قبلها من قوله تعالى (كانَتْ) الخ وكانوا الخ دلالة على أن الحسبان ناشىء من التعامى والتصام وأدخل عليها همزة الإنكار ذما على ذم وقطعا له عن المعطوف عليهما لفظا لا معنى للإيذان بالاستقلال المؤكد للذم يأباه ترك الإضمار والتعرض لوصف آخر غير التعامى والتصام على أنهما أخرجا مخرج الأحوال الجبلية لهم ولم يذكروا من حيث أنهما من أفعالهم الاختيارية الحادثة كحسبانهم ليحسن تفريعه عليهما وأيضا فإنه دين قديم لهم لا يمكن جعله ناشئا عن تصامهم عن كلام الله عزوجل وتخصيص الإنكار بحسبانهم المتأخر عن ذلك تعسف لا يخفى وما فى حين صلة أن ساد مسد مفعولى حسب كما فى قوله تعالى (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أى أفحسبوا أنهم يتخذونهم أولياء على معنى أن ذلك ليس من الاتخاذ فى شىء لما أنه إنما يكون من الجانبين وهم عليهم الصلاة والسلام منزهون عن ولايتهم بالمرة لقولهم سبحانك أنت ولينا من دونهم وقيل مفعوله الثانى محذوف أى أفحسبوا اتخاذهم نافعا لهم والوجه هو الأول لأن فى هذا تسليما لنفس الاتخاذ واعتدادا به فى الجملة وقرىء أفحسب الذين كفروا أى أفحسبهم وكافيهم أن يتخذوهم أولياء على الابتداء والخبر أو الفعل والفاعل فإن النعت إذا اعتمد الهمزة ساوى الفعل فى العمل فالهمزة حينئذ بمعنى إنكار الوقوع* (إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ) أى هيأناها (لِلْكافِرِينَ) المعهودين عدل عن الإضمار ذما لهم وإشعارا بأن ذلك الاعتاد* بسبب كفرهم المتضمن لحسبانهم الباطل (نُزُلاً) أى شيئا يتمتعون به عند ورودهم وهو ما يقام للنزيل أى الضيف مما حضر من الطعام وفيه تخطئة لهم فى حسبانهم وتهكم بهم حيث كان اتخاذهم إياهم أولياء من قبيل إعتاد العتاد وإعداد الزاد ليوم المعاد فكأنه قيل إنا اعتدنا لهم مكان ما أعدوا لأنفسهم من العدة والذخر جهنم عدة وفى إيراد النزل إيماء إلى أن لهم وراء جهنم من العذاب ما هو أنموذج له وقيل النزل موضع النزول ولذلك فسره ابن عباس رضى الله عنهما بالمثوى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ) الخطاب الثانى للكفرة على وجه