(الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (١٠٥)
____________________________________
التوبيخ والجمع فى صيغة المتكلم لتعيينه من أول الأمر وللإيذان بمعلومية النبأ للمؤمنين أيضا (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) نصب على التمييز والجمع للإيذان بتنوعها وهذا بيان لحال الكفرة باعتبار ما صدر عنهم من الأعمال الحسنة فى أنفسها وفى حسبانهم أيضا حيث كانوا معجبين بها واثقين بنيل ثوابها ومشاهدة آثارها غب بيان حالهم باعتبار أعمالهم السيئة فى أنفسها مع كونها حسنة فى حسبانهم (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ) فى إقامة تلك الأعمال أى ضاع وبطل بالكلية (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) متعلق بالسعى لا بالضلال لأن بطلان سعيهم غير* مختص بالدنيا قيل المراد بهم أهل الكتابين قاله ابن عباس وسعد بن أبى وقاص ومجاهد رضى الله عنهم ويدخل فى الأعمال حينئذ ما عملوه من الأحكام المنسوخة المتعلقة بالعبادات وقيل الرهابنة الذين يحبسون أنفسهم فى الصوامع ويحملونها على الرياضات الشاقة ولعله ما يعمهم وغيرهم من الكفرة ومحل الموصول الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف لأنه جواب للسؤال كأنه قيل من هم فقيل الذين الخ وجعله مجرورا على أنه نعت للأخسرين أو بدل منه أو منصوبا على الذم على أن الجواب ما سيأتى من قوله تعالى (أُولئِكَ) الآية يأباه أن صدره ليس منبئا عن خسران الأعمال وضلال السعى كما يستدعيه مقام الجواب والتفريع الأول وإن دل على حبوطها لكنه ساكت عن أنباء ما هو العمدة فى تحقيق معنى الخسران من الوثوق بترتب الربح واعتقاد النفع فيما صنعوا على أن التفريع الثانى مما يقطع ذلك الاحتمال رأسا إذ لا مجال لا دراجه تحت الأمر بقضية نون العظمة (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) الإحسان الإتيان بالأعمال على* الوجه اللائق وهو حسنها الوصفى المستلزم لحسنها الذاتى أى يحسبون أنهم يعملون ذلك على الوجه اللائق وذلك لإعجابهم بأعمالهم التى سعوا فى إقامتها وكابدوا فى تحصيلها والجملة حال من فاعل ضل أى بطل سعيهم المذكور والحال أنهم يحسبون أنهم يحسنون فى ذلك وينتفعون بآثاره أو من المضاف إليه لكونه فى محل الرفع نحو قوله تعالى (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) أى بطل سعيهم والحال أنهم الخ والفرق بينهما أن المقارن لحال حسبانهم المذكور فى الأول ضلال سعيهم وفى الثانى نفس سعيهم والأول أدخل فى بيان خطئهم (أُولئِكَ) كلام مستأنف من جنابه تعالى مسوق لتكميل تعريف الأخسرين وتبيين سبب خسرانهم وضلال سعيهم وتعيينهم بحيث ينطبق التعريف على المخاطبين غير داخل تحت الأمر أى أولئك المنعوتون بما ذكر من ضلال السعى مع الحسبان المزبور (الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) بدلائله الداعية* إلى التوحيد عقلا ونقلا والتعرض لعنوان الربوبية لزيادة تقبيح حالهم فى الكفر المذكور (وَلِقائِهِ) * بالبعث وما يتبعه من أمور الآخرة على ما هى عليه (فَحَبِطَتْ) لذلك (أَعْمالُهُمْ) المعهودة حبوطا كليا (فَلا *