(ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) (١٠٧)
____________________________________
* نُقِيمُ لَهُمْ) أى لأولئك الموصوفين بما مر من حبوط الأعمال وقرىء بالياء (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) أى فنزدريهم ولا نجعل لهم مقدارا واعتبارا لأن مداره الأعمال الصالحة وقد حبطت بالمرة وحيث كان هذا الازدراء من عواقب حبوط الأعمال عطف عليه بطريق التفريع وأما ما هو من أجزية الكفر فسيجىء بعد ذلك أولا نضع لأجل وزن أعمالهم ميزانا لأنه إنما يوضع لأهل الحسنات والسيئات من الموحدين ليتميز به مقادير الطاعات والمعاصى ليترتب عليه التكفير أو عدمه لأن ذلك فى الموحدين بطريق الكمية وأما الكفر فإحباطه للحسنات بحسب الكيفية دون الكمية فلا يوضع لهم الميزان قطعا (ذلِكَ) بيان لمآل* كفرهم وسائر معاصيهم إثر بيان مآل أعمالهم المحبطة بذلك أى الأمر ذلك وقوله عزوجل (جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ) جملة مبينة له أو ذلك مبتدأ والجملة خبره والعائد محذوف أى جزاؤهم به أو جزاؤهم بدله وجهنم* خبره أو جزاؤهم خبره وجهنم عطف بيان للخبر (بِما كَفَرُوا) تصريح بأن ما ذكر جزاء لكفرهم المتضمن* لسائر القبائح التى أنبأ عنها قوله تعالى (وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً) أى مهزوا بهما فإنهم لم يقتنعوا بمجرد الكفر بالآيات والرسل بل ارتكبوا مثل تلك العظيمة أيضا (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بيان بطريق الوعد لمآل الذين اتصفوا بأضداد ما اتصف به الكفرة إثر بيان مآلهم بطريق الوعيد أى آمنوا بآيات ربهم* ولقائه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) من الأعمال (كانَتْ لَهُمْ) فيما سبق من حكم الله تعالى ووعده وفيه إيماء إلى أن أثر الرحمة يصل إليهم بمقتضى الرأفة الأزلية بخلاف ما مر من جعل جهنم للكافرين نزلا فإنه بموجب* ما حدث من سوء اختيارهم (جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ) عن مجاهد أن الفردوس هو البستان بالرومية وقال عكرمة هو الجنة بالحبشية وقال الضحاك هو الجنة الملتفة الأشجار وقيل هى الجنة التى تنبت ضروبا من النبات وقيل هى الجنة من الكرم خاصة وقيل ما كان غالبه كرما وقال المبرد هو فيما سمعت من العرب الشجر الملتف والأغلب عليه أن يكون من العنب وعن كعب أنه ليس فى الجنان أعلى من جنة الفردوس وفيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى الجنة مائة درجة ما بين كل درجة مسيرة مائة عام والفردوس أعلاها وفيها الأنهار الأربعة فإذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس فإن* فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة (نُزُلاً) خبر كانت والجار والمجرور متعلق بمحذوف على أنه حال من نزلا أو على أنه بيان أو حال من جنات الفردوس والخبر هو الجار والمجرور فإن جعل النزول بمعنى ما يهيأ للنازل فالمعنى كانت لهم ثمار جنات الفردوس نزلا أو جعلت نفس الجنات نزلا مبالغة فى الإكرام وفيه إيذان بأنها عند ما أعد الله لهم على ما جرى على لسان النبوة من قوله أعددت لعبادى الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بمنزلة النزل بالنسبة إلى الضيافة وإن جعل بمعنى المنزل فالمعنى ظاهر.