(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٧٧)
____________________________________
وأن ما ينفقه الأحرار ليس مما لهم دخل فى إيجاده ولا فى تملكه بل هو مما أعطاه الله تعالى إياهم فحيث* لم يستو الفريقان فما ظنكم برب العالمين حيث تشركون به ما لا ذليل أذل منه وهو الأصنام (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أى كله لأنه مولى جميع النعم لا يستحقه أحد غيره وإن ظهرت على أيدى بعض الوسايط فضلا عن استحقاق العبادة وفيه إرشاد إلى ما هو الحق من أن ما يظهر على يد من ينفق مما ذكر راجع إلى الله سبحانه* كما لوح به قوله تعالى (رَزَقْناهُ (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ما ذكر فيضيفون نعمه تعالى إلى غيره ويعبدونه لأجلها ونفى العلم عن أكثرهم للإشعار بأن بعضهم يعلمون ذلك وإنما لا يعملون بموجبه عنادا كقوله تعالى (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) أى مثلا آخر يدل على ما دل عليه المثل السابق على وجه أوضح وأظهر وبعد ما أبهم ذلك لتنتظر النفس إلى وروده وتترقبه حتى* يتمكن لديها عند وروده بين فقيل (رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ) وهو من ولد أخرس (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) * من الأشياء المتعلقة بنفسه أو بغيره بحدس أو فراسة لقلة فهمه وسوء إدراكه (وَهُوَ كَلٌّ) ثقل وعيال* (عَلى مَوْلاهُ) على من يعوله ويلى أمره وهذا بيان لعدم قدرته على إقامة مصالح نفسه بعد ذكر عدم قدرته* على شىء مطلقا وقوله تعالى (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ) أى حيث يرسله مولاه فى أمر بيان لعدم قدرته على إقامة* مصالح مولاه ولو كانت مصلحة يسيرة وقرىء على البناء للمفعول وعلى صيغة الماضى من التوجه (لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) بنجح وكفاية مهم البتة (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ) مع ما فيه من الأوصاف المذكورة (وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) * أى من هو منطيق فهو ذو رأى وكفاية ورشد ينفع الناس بحثهم على العدل الجامع لمجامع الفضائل (وَهُوَ) * فى نفسه مع ما ذكر من نفعه العام للخاص والعام (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ومقابلة الصفات المذكورة بهذين الوصفين لأنهما فى حاق ما يقابلها فإن محصل الصفات المذكورة عدم استحقاق المأمورية وملخص هذين استحقاق كمال الآمرية المستتبع لحيازة المحاسن بأجمعها وتغيير الأسلوب حيث لم يقل والآخر آمر بالعدل الآية لمراعاة الملاءمة بينه وبين ما هو المقصود من بيان التباين بين القرينتين واعلم أن كلا من الفعلين ليس المراد بهما حكاية الضرب الماضى بل المراد إنشاؤه بما ذكر عقيبه ولا يبعد أن يقال إن الله تعالى ضرب مثلا بخلق الفريقين على ما هما عليه فكان خلقهما كذلك للاستدلال بعدم تساويهما على امتناع التساوى بينه سبحانه وبين ما يشركون فيكون كل من الفعلين حكاية للضرب الماضى (وَلِلَّهِ) تعالى خاصة* لا لأحد غيره استقلالا ولا اشتراكا (غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى الأمور الغائبة عن علوم المخلوقين