(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٧٨)
____________________________________
قاطبة بحيث لا سبيل لهم إليها لا مشاهدة ولا استدلالا ومعنى الإضافة إليهما التعلق بهما إما باعتبار الوقوع فيهما حالا أو مآلا وإما باعتبار الغيبة عن أهلهما والمراد بيان الاختصاص به تعالى من حيث المعلومية حسبما ينبىء عنه عنوان الغيبة لا من حيث المخلوقية والمملوكية وإن كان الأمر كذلك فى نفس الأمر وفيه إشعار بأن علمه سبحانه حضورى فإن تحقق الغيوب فى نفسها علم بالنسبة إليه تعالى ولذلك لم يقل ولله علم غيب السموات والأرض (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ) التى هى أعظم ما وقع فيه المماراة من الغيوب المتعلقة بهما من حيث* غيبتها عن أهلهما أو ظهور آثارها فيهما عند وقوعها فإن وقت وقوعها بعينه من الغيوب المختصة به سبحانه وإن كان إنيتها من الغيوب التى نصبت عليها الأدلة أى ما شأنها فى سرعة المجىء (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) أى كرجع* الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها (أَوْ هُوَ) أى بل أمرها فيما ذكر (أَقْرَبُ) من ذلك وأسرع زمانا* بأن يقع فى بعض من زمانه فإن ذلك وإن قصر عن حركة أنية لها هوية اتصالية منطبقة على زمان له هوية كذلك قابل للانقسام إلى أبعاض هى أزمنة أيضا بل فى آن غير منقسم من ذلك الزمان وهو آن ابتداء تلك الحركة أو ما أمرها إلا كالشىء الذى يستقرب ويقال هو كلمح البصر أو هو أقرب وأيا ما كان فهو تمثيل لسرعة مجيئها حسبما عبر عنها فى فاتحة السورة الشريفة بالإتيان (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومن جملة* الأشياء أن يجىء بها أسرع ما يكون فهو قادر على ذلك أو وما أمر إقامة الساعة التى كنهها وكيفيتها من الغوب الخاصة به سبحانه وهى إماتة الأحياء وإحياء الأموات من الأولين والآخرين وتبديل صور الأكوان أجمعين وقد أنكرها المنكرون وجعلوها من قبيل مالا يدخل تحت الإمكان فى سرعة الوقوع وسهولة التأتى إلا كلمح البصر أو هو أقرب على ما مر من الوجهين إن الله على كل شىء قدير فهو قادر على ذلك لا محالة وقيل غيب السموات والأرض عبارة عن يوم القيامة بعينه لما أن علمه بخصوصه غائب عن أهلهما فوضع الساعة موضع الضمير لتقوية مضمون الجملة (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) ٧٨ عطف على قوله تعالى (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) منتظم معه فى سلك أدلة التوحيد من قوله تعالى (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) وقوله تعالى (وَاللهُ خَلَقَكُمْ) وقوله تعالى (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) والأمهات بضم الهمزة وقرىء بكسرها أيضا جمع الأم زيدت الهاء فيه كما زيدت فى إهراق من إراق وشذت زيادتها فى الواحدة قال [أمهتى خندف واليأس أبى] (لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) فى موقع الحال أى غير عالمين شيئا أصلا* (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) عطف على (أَخْرَجَكُمْ) وليس فيه دلالة على تأخر الجعل المذكور* عن الإخراج لما أن مدلول الواو هو الجمع مطلقا لا الترتيب على أن أثر ذلك الجعل لا يظهر قبل الإخراج أى جعل لكم هذه الأشياء آلات تحصلون بها العلم والمعرفة بأن تحسوا بمشاعركم جزئيات الأشياء وتدركوها بأفئدتكم وتتنبهوا لما بينها من المشاركات والمباينات بتكرر الإحساس فيحصل لكم علوم