(أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) (٨٠)
____________________________________
بديهية تتمكنون بالنظر فيها من تحصيل العلوم الكسبية والأفئدة جمع فؤاد وهو وسط القلب وهو من القلب كالقلب من الصدور وهو من جموع القلة التى جرت مجرى جموع الكثرة وتقديم المجرور على المنصوبات لما مر من الإيذان من أول الأمر بكون المجعول نافعا لهم وتشويق النفس إلى المؤخر ليتمكن* عند وروده عليها فضل تمكن (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) كى تعرفوا ما أنعم به عليكم طورا غب طور فتشكروه وتقديم السمع على البصر لما أنه طريق تلقى الوحى أو لأن إدراكه أقدم من إدراك البصر وإفراده باعتبار كونه مصدرا فى الأصل (أَلَمْ يَرَوْا) وقرىء بالتاء (إِلَى الطَّيْرِ) جمع طائر أى ألم ينظروا إليها* (مُسَخَّراتٍ) مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المساعدة له وفيه مبالغة من حيث إن معنى التسخير جعل الشىء منقادا لآخر يتصرف فيه كيف يشاء كتسخير البحر والفلك والدواب للإنسان والواقع ههنا تسخير الهواء للطير لتطير فيه كيف تشاء فكان مقتضى طبيعة الطير السقوط فسخرها الله تعالى للطيران وفيه تنبيه على أن الطيران ليس بمقتضى طبع الطير بل ذلك بتسخير الله تعالى* (فِي جَوِّ السَّماءِ) أى فى الهواء المتباعد من الأرض والسكاك واللوح أبعد منه وإضافته إلى السماء لما أنه* فى جانبها من الناظر ولإظهار كمال القدرة (ما يُمْسِكُهُنَّ) فى الجوحين قبض أجنحتهن وبسطها ووقوفهن* (إِلَّا اللهُ) عزوجل بقدرته الواسعة فإن ثقل جسدها ورقة قوام الهواء يقتضيان سقوطها ولا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها وهو إما حال من الضمير المستتر فى مسخرات أو من الطير وإما مستأنف* (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذى ذكر من تسخير الطير للطيران بأن خلقها خلقة تتمكن بها منه بأن جعل لها أجنحة خفيفة وأذنابا كذلك وجعل أجسادها من الخفة بحيث إذا بسطت أجنحتها وأذنابها لا يطيق ثقلها يخرق ما تحتها من الهواء الرقيق القوام وتخرق ما بين يديها من الهواء لأنها لا تلاقيه بحجم كبير* (لَآياتٍ) ظاهرة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أى من شأنهم أن يؤمنوا وإنما خص ذلك بهم لأنهم المنتفعون به (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ) معطوف على ما مر وتقديم لكم على ما سيأتى من المجرور والمنصوب لما مر من* الإيذان من أول الأمر بأنه لمصلحتهم ومنفعتهم لتشويق النفس إلى وروده وقوله تعالى (مِنْ بُيُوتِكُمْ) أى من بيوتكم المعهودة التى تبنونها من الحجر والمدر تبيين لذلك المجعول المبهم فى الجملة وتأكيد لما سبق* من التشويق (سَكَناً) فعل بمعنى مفعول أى موضعا تسكنون فيه وقت إقامتكم أو تسكنون إليه من غير* أن ينتقل من مكانه أى جعل بعض بيوتكم بحيث تسكنون إليه وتطمئنون به (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ