وجوب أن يترتب عليه نقيضه كما إذا قدر أتسمعون والمعنى أبعد أن علمتم أن ربهما هو الله جل جلاله اتخذتم من دونه أولياء عجزة والحال أن قضية العلم بذلك إنما هو الاقتصار على توليه فعكستم الأمر كما فى قوله تعالى (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) ووصف الأولياء ههنا بعدم المالكية للنفع والضر فى ترشيح الإنكار وتأكيده كتقييد الاتخاذ هناك بالجملة الحالية أعنى قوله تعالى (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) فإن كلا منهما مما ينفى الاتخاذ المذكور ويؤكد إنكاره (قُلْ) تصويرا لآرائهم الركيكة* بصورة المحسوس (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى) الذى هو المشرك الجاهل بالعبادة ومستحقها (وَالْبَصِيرُ) * الذى هو الموحد العالم بذلك أو الأول عبارة عن المعبود الغافل والثانى إشارة إلى المعبود العالم بكل شىء (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ) التى هى عبارة عن الكفر والضلال (وَالنُّورُ) الذى هو عبارة عن التوحيد* والإيمان وقرىء بالياء ولما دل النظم الكريم على أن الكفر فيما فعلوا من اتخاذ الأصنام أولياء من دون الله سبحانه فى الضلال المحض والخطأ البحت بحيث لا يخفى بطلانه على أحد وأنهم فى ذلك كالأعمى الذى لا يهتدى إلى شىء أصلا وليس لهم فى ذلك شبهة تصلح أن تكون منشأ لغلطهم وخطئهم فضلا عن الحجة أكد ذلك فقيل (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ) أى بل أجعلوا له (شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) سبحانه والهمزة* لإنكار الوقوع لا لإنكار الواقع مع وقوعه وقوله (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) هو الذى يتوجه إليه الإنكار وأما نفس الجعل فهو واقع لا يتعلق به الإنكار بهذا المعنى والمعنى أنهم لم يجعلوا لله تعالى شركاء خلقوا كخلقه (فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) بسبب ذلك وقالوا هؤلاء خلقوا كخلقه تعالى فاستحقوا بذلك العبادة كما* استحقها ليكون ذلك منشأ لخطئهم بل إنما جعلوا له شركاء ما هو بمعزل من ذلك بالمرة وفيه ما لا يخفى من التعريض بركاكة رأيهم والتهكم بهم (قُلْ) تحقيقا للحق وإرشادا لهم إليه (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) * كافة لا خالق سواه فيشاركه فى استحقاق العبادة (وَهُوَ الْواحِدُ) المتوحد بالألوهية المتفرد بالربوبية* (الْقَهَّارُ) لكل ما سواه فكيف يتوهم أن يكون له شريك وبعد ما مثل المشرك والشرك بالأعمى* والظلمات والموحد والتوحيد بالبصير والنور مثل الحق الذى هو القرآن العظيم فى فيضانه من جناب القدس على قلوب خالية عنه متفاوتة الاستعداد وفى جريانه عليها ملاحظة وحفظا وعلى الألسنة مذاكرة وتلاوة وفى ثباته فيهما مع كونه ممدا لحياتها الروحانية وما يتلوها من الملكات السنية والأعمال المرضية بالماء النازل من السماء السائل فى أودية يابسة لم تجر عادتها بذلك سيلانا مقدرا بمقدار اقتضته الحكمة فى إحياء الأرض وما عليها الباقى فيها حسبما يدور عليه منافع الناس وفى كونه حلية تتحلى به النفوس وتصل إلى البهجة الأبدية ومتاعا يتمتع به فى المعاش والمعاد بالذهب والفضة وسائر الفلزات التى يتخذ منها أنواع الآلات والأدوات وتبقى منتفعا بها مدة طويلة ومثل الباطل الذى ابتلى به الكفرة لقصور نظرهم بما يظهر فيهما من غير مداخلة له فيهما وإخلال بصفائهما من الزبد الرابى فوقهما المضمحل سريعا فقيل.