(فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) (٨٦)
____________________________________
قادرين من حيث القوى والأسباب والآلات على أنواع التصرفات فيها ما لم نجعله لكم من القوة والسعة فى المال والاستظهار بالعدد والأسباب فكأنه قيل ما لم نمكنكم فيها أى ما لم نجعلكم قادرين على ذلك فيها أو مكنا لهم فى الأرض ما لم نمكن لكم وهكذا إذا كان التمكين مأخوذا من المكان بناء على توهم ميمه أصلية كما أشير إليه فى سورة يوسف عليه الصلاة والسلام والمعنى إنا جعلنا له مكنة وقدرة على التصرف فى الأرض من حيث التدبير والرأى والأسباب حيث سخر له السحاب ومدله فى الأسباب وبسط له* النور وكان الليل والنهار عليه سواء وسهل عليه السير فى الأرض وذللت له طرقها (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) * أراده من مهمات ملكه ومقاصده المتعلقة بسلطانه (سَبَباً) أى طريقا يوصله إليه وهو كل ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو آلة (فَأَتْبَعَ) بالقطع أى فأراد بلوغ المغرب فأتبع (سَبَباً) يوصله إليه ولعل قصد بلوغ المغرب ابتداء لمراعاة الحركة الشمسبة وقرىء فاتبع من الافتعال والفرق أن الأول فيه معنى الإدراك والإسراع دون الثانى (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) أى منتهى الأرض من جهة المغرب بحيث لا يتمكن أحد من مجاوزته ووقف على حافة البحر المحيط الغربى الذى يقال له أو قيانوس الذى فيه* الجزائر المسماة بالخالدات التى هى مبدأ الأطوال على أحد القولين (وَجَدَها) أى الشمس (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أى ذات حمأة وهى الطين الأسود من حمئت البئر إذا كثرت حمأتها وقرىء حامية أى حارة روى أن معاوية رضى الله عنه قرأ حامية وعنده ابن عباس رضى الله عنهما فقال حمئة فقال معاوية لعبد الله بن عمرو بن العاص كيف تقرأ قال كما يقرأ أمير المؤمنين ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب قال فى ماء وطين وروى فى ثأط فوافق قول ابن عباس رضى الله عنهما وليس بينهما منافاة قطعية لجواز كون العين جامعة بين الوصفين وكون الياء فى الثانية منقلبة عن الهمزة لانكسار ما قبلها وأما رجوع معاوية إلى قول ابن عباس رضى الله عنهم بما سمعه من كعب مع أن قراءته أيضا مسموعة قطعا فلكون قراءة ابن عباس رضى الله عنهما قطعية فى مدلولهما وقراءته محتملة ولعله لما بلغ ساحل المحيط* رآها كذلك إذ ليس فى مطمح بصره غير الماء كما يلوح به قوله تعالى (وَجَدَها تَغْرُبُ (وَوَجَدَ عِنْدَها) عند* تلك العين (قَوْماً) قيل كان لباسهم جلود الوحوش وطعامهم ما لفظه البحر وكانوا كفارا فخيره الله جل* ذكره بين أن يعذبهم بالقتل وأن يدعوهم إلى الإيمان وذلك قوله تعالى (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) * بالقتل من أول الأمر (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) أى أمرا ذا حسن على حذف المضاف أو على طريقة إطلاق المصدر على موصوفه مبالغة وذلك بالدعوة إلى الإسلام والإرشاد إلى الشرائع ومحل أن مع صلته إما الرفع على الابتداء أو الخبرية وإما النصب على المفعولية أى إما تعذيبك واقع أو إما أمرك تعذيبك