(وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) (٥٨)
____________________________________
(وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) هو شرف النبوة والزلفى عند الله عزوجل وقيل علو الرتبة بالذكر الجميل فى الدنيا كما فى قوله تعالى (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) وقيل الجنة وقيل السماء السادسة أو الرابعة روى عن كعب وغيره فى سبب رفع إدريس عليهالسلام أنه سئل ذات يوم فى حاجة فأصابه وهج الشمس فقال يا رب إنى قد مشيت فيها يوما وقد أصابنى منها ما أصابنى فكيف من يحملها مسيرة خمسمائة عام فى يوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها وحرها فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها مالا يعرف فقال يا رب ما الذى قضيت فيه قال إن عبدى إدريس سألى أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته قال يا رب اجعل بينى وبينه خلة فأذن الله تعالى له فرفعه إلى السماء (أُولئِكَ) إشارة إلى المذكورين فى السورة الكريمة وما فيه من معنى البعد للإشارة بعلو رتبهم وبعد منزلتهم فى الفضل وهو مبتدأ وقوله تعالى (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) صفته* أى أنعم عليهم بفنون النعم الدينية والدنيوية حسبما أشير إليه مجملا وقوله تعالى (مِنَ النَّبِيِّينَ) بيان للموصول* وقوله تعالى (مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ) بدل منه بإعادة الجار ويجوز أن تكون كلمة من فيه للتبعيض لأن المنعم عليهم* أعم من الأنبياء وأخص من الذرية (وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) أى ومن ذرية من حملنا معه خصوصا وهم من* عدا إدريس عليهالسلام فإن إبراهيم كان من ذرية سام بن نوح (وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ) وهم الباقون* (وَإِسْرائِيلَ) عطف على إبراهيم أى ومن ذرية إسرائيل وكان منهم موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى* عليهمالسلام وفيه دليل على أن أولاد البنات من الذرية (وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا) أى ومن جملة من هديناهم* إلى الحق واجتببناهم للنبوة والكرامة وقوله تعالى (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) خبر* لأولئك ويجوز أن يكون الخبر هو الموصول وهذا استئنافا مسوقا لبيان خشيتهم من الله تعالى وإخباتهم له مع مالهم من علو الرتبة وسمو الطبقة فى شرف النسب وكمال النفس والزلفى من الله عز سلطانه وسجدا وبكيا حالان من ضمير خروا أى ساجدين باكين عن النبى صلىاللهعليهوسلم اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا والبكى جمع باك كالسجد جمع ساجد وأصله بكوى فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء فى الياء وحركت الكاف بالكسر المجانس للياء وقرىء يتلى بالياء التحتانية لأن التأنيث غير حقيقى وقرىء بكيا بكسر الباء للإتباع قالوا ينبغى أن يدعو الساجد فى سجدته بما يليق بآيتها فههنا يقول اللهم اجعلنى من عبادك المنعم عليهم المهديين الساجدين لك الباكين عند تلاوة آياتك وفى آية الإسراء يقول اللهم اجعلنى من الباكين إليك الخاشعين لك وفى آية التنزيل السجدة يقول اللهم اجعلنى من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذبك من أن أكون من المستكبرين عن أمرك.