(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا) (٢٧)
____________________________________
عما هو عليه وقوله تعالى (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) بيان لسبب الردع أى لم يقض بعد من لدن آدم عليه* السلام إلى هذه الغاية مع طول المدى وامتداده ما أمره الله تعالى بأسره إذ لا يخلو أحد عن تقصير ما كذا قالوا وهكذا نقل عن مجاهد وقتادة ولا ريب فى أن مساق الآيات الكريمة لبيان غاية عظم جناية الإنسان وتحقيق كفرانه المفرط المستوجب للسخط العظيم وظاهر أن ذلك لا يتحقق بهذا القدر من نوع تقصير لا يخلو عنه أحد من أفراده كيف لا وقد قال عليه الصلاة والسلام شيبتنى سورة هود لما فيها من قوله تعالى (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) فالوجه أن يحمل عدم القضاء على عموم النفى لا على نفى العموم إما على أن المحكوم عليه هو المستغنى أو هو الجنس لكن لا على الإطلاق بل على أن مصداق الحكم بعدم القضاء بعض أفراده وقد أسند إلى الكل كما فى قوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) للإشباع فى اللوم بحكم المجانسة على طريقة قولهم بنو فلان قتلوا فلانا والقاتل واحد منهم وإما على أن مصداقه الكل من حيث هو كل بطريق رفع الإيجاب الكلى دون السلب الكلى فالمعنى لما يقض جميع أفراده ما أمره بل أخل به بعضها بالكفر والعصيان مع أن مقتضى ما فصل من فنون النعماء الشاملة للكل أن لا يتخلف عنه أحد أصلا هذا وقد قيل كلا بمعنى حقا فيتعلق بما بعده أى حقا لم يعمل بما أمره به (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) شروع فى تعداد النعم المتعلقة ببقائه بعد تفصيل النعم المتعلقة بحدوثه أى فلينظر إلى طعامه الذى عليه يدور أمر معاشه كيف دبرناه وقوله تعالى (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) أى الغيث بدل اشتمال من طعامه لأن الماء سبب لحدوث الطعام فهو مشتمل عليه وقرىء أنا على الاستئناف وقرىء أنى بالإمالة أى كيف صببنا إلى آخره أى صببناه صبا عجيبا (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ) أى بالنبات (شَقًّا) بديعا لائقا بما يشقها من النبات صغرا وكبرا وشكلا وهيئة وحمل شقها على ما بالكراب بجعل إسناده إلى نون العظمة من قيل إسناد الفعل إلى سببه يأباه كلمة ثم والفاء فى قوله تعالى (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا) فإن الشق بالمعنى المذكور لا ترتب بينه وبين الأمطار أصلا ولا بينه وبين إنبات الحب بلا مهلة وإنما الترتيب بين الأمطار وبين الشق المذكور وبين إنبات الحب بلا مهلة فإن المراد بالنبات ما نبت من الأرض إلى أن يتكامل النمو وينقعد الحب فإن إنشقاق الأرض بالنبات لا يزال يتزايد ويتسع إلى تلك المرتبة على أن مساق النظم الكريم لبيان النعم الفائضة من جنابه تعالى على وجه بديع خارج عن العادات المعهودة كما ينبىء عنه تأكيد الفعلين بالمصدرين فتوسيط فعل المنعم عليه فى حصول تلك النعم مخل بالمرام