(فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) (١٥)
____________________________________
عليه الصلاة والسلام فى حق من يشرب من آنية الذهب والفضة إنما يجرجر فى بطنه نار جهنم ولا بعد فى ذلك ألا يرى أن العلم يظهر فى عالم المثال على صورة اللبن كما لا يخفى على من له خبرة بأحوال الحضرات الخمس وقد روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه يؤتى بالأعمال الصالحة على صورة حسنة وبالأعمال السيئة على صورة قبيحة فتوضع فى الميزان وأيا ما كان فإسناد إحضارها إلى النفس مع أنها تحضر بأمر الله تعالى كما ينطق به قوله تعالى (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) الآية لأنها لما عملتها فى الدنيا فكأنها أحضرتها فى الموقف ومعنى علمها بها حينئذ أنها تشاهدها على ما هى عليه فى الحقيقة فإن كانت صالحة تشاهدها على صور أحسن مما كانت تشاهدها عليه فى الدنيا لأن الطاعات لا تخلو فيها عن نوع مشقة وإن كانت سيئة تشاهدها على خلاف ما كانت تشاهدها عليه ههنا لأنها كانت مزينة لها موافقة لهواها وتنكير النفس المفيد لثبوت العلم المذكور لفرد من النفوس أو لبعض منها للإيذان بأن ثبوته لجميع أفرادها قاطبة من الظهور والوضوح بحيث لا يكاد يحوم حوله شائبة اشتباه قطعا يعرفه كل أحد ولوجىء بعبارة تدل على خلافه وللرمز إلى أن تلك النفوس العالمة بما ذكر مع توفر أفرادها وتكثر أعدادها مما يستقل بالنسبة إلى جناب الكبرياء الذى أشير إلى بعض بدائع شؤنه المنبئة عن عظم سلطانه وأما ما قيل من أن هذا من قبيل عكس كلامهم الذى يقصدون به الإفراط فيما يعكس عنه وتمثيله بقوله تعالى (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) وبقول من قال [قد أترك القرن مصفرا أنامله] وبقول من قال حين سئل عن عدد فرسانه رب فارس عندى وعنده المقانب قاصدا بذلك التمادى فى تكثير فرسانه وإظهار براءته من التزيد وأنه ممن يقلل كثير ما عنده فضلا أن يتزيد فمن لوائح النظر الجليل إلا أن الكلام المعكوس عنه فيما ذكر من الأمثلة مما يقبل الإفراط والتمادى فيه فإنه فى الأول كثيرا ما يود وفى الثانى كثيرا ما أترك وفى الثالث كثير من الفرسان وكل واحد من ذلك قابل للإفراط والمبالغة فيه لعدم انحصار مراتب الكثرة وقد قصد بعكسه ما ذكر من التمادى فى التكثير حسبما فصل أما فيما نحن فيه فالكلام الذى عكس عنه علمت كل نفس ما أحضرت كما صرح به القائل وليس فيه إمكان التكثير حتى يقصد بعكسه المبالغة والتمادى فيه وإنما الذى يمكن فيه من المبالغة ما ذكرناه فتأمل ويجوز أن يكون ذلك للإشعار بأنه إذا علمت حينئذ نفس من النفوس ما أحضرت وجب على كل نفس إصلاح عملها مخافة أن تكون هى تلك التى علمت ما أحضرت فكيف وكل نفس تعلمه على طريقة قولك لمن تنصحه لعلك ستندم على ما فعلت وربما ندم الإنسان على ما فعل فإنك لا تقصد بذلك أن ندمه مرجو الوجود لا متيقن به أو نادر الوقوع بل تريد أن العاقل يجب عليه أن يجتنب أمرا يرجى فيه الندم أو قلما يقع فيه فكيف به إذا كان قطعى الوجود كثير الوجود (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) أى الكواكب الرواجع من خنس إذا تأخر وهى ما عدا النيرين من الدرارى الخمسة وهى بهرام وزحل وعطارد والزهرة والمشترى وصفت بقوله تعالى :