(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) (٨)
____________________________________
النهايات النائية من حصانة العقل ورزانة الرأى (وَإِنَّ لَكَ) بمقابلة مقاساتك ألوان الشدائد من جهتهم* وتحملك لأعباء الرسالة (لَأَجْراً) لثوابا عظيما لا يقادر قدره (غَيْرَ مَمْنُونٍ) مع عظمه كقوله تعالى (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أو غير ممنون عليك من جهة الناس فإنه عطاؤه تعالى بلا توسط (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) لا يدرك شأوه أحد من الخلق ولذلك تحتمل من جهتهم ما لا يكاد يحتمله البشر وسئلت عائشة رضى الله عنها عن خلقه صلىاللهعليهوسلم فقالت كان خلقه القرآن ألست تقرأ القرآن قد أفلح المؤمنون والجملتان معطوفتان على جواب القسم (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) قال ابن عباس رضى الله عنهما فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتبين الحق من الباطل وقيل فستبصر ويبصرون فى الدنيا بظهور عاقبة أمركم بغلبة الإسلام واستيلائك عليهم بالقتل والنهب وصيرورتك مهيبا معظما فى قلوب العالمين وكونهم أذلة صاغرين قال مقاتل هذا وعيد بعذاب يوم بدر (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) أى أيكم الذى فتن بالجنون والباء مزيدة أو بأيكم الجنون على أن المفتون مصدر كالمعقول والمجلود أو بأى الفريقين منكم المجنون أبفريق المؤمنين أم بفريق الكافرين أى فى أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم وهو تعريض بأبى جهل بن هشام والوليد ابن المغيرة وأضربهما كقوله تعالى (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) وقوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) تعليل لما ينبىء عنه ما قبله من ظهور جنونهم بحيث لا يخفى على أحد وتأكيدا لما فيه من الوعد والوعيد أى هو أعلم بمن ضل عن سبيله تعالى المؤدى إلى سعادة الدارين وهام فى تيه الضلال متوجها إلى ما يفيضه إلى الشقاوة الأبدية وهذا هو المجنون الذى لا يفرق بين النفع والضرر* بل يحسب الضرر نفعا فيؤثره والنفع ضررا فيهجره (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) إلى سبيله الفائزين بكل مطلوب الناجين عن كل محذوروهم العقلاء المراجيح فيجزى كلا من الفريقين حسبما يستحقه من العقاب والثواب وإعادة هو أعلم لزيادة التقرير والفاء فى قوله تعالى (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) لترتيب النهى على ما ينبىء عنه ما قبله من اهتدائه صلىاللهعليهوسلم وضلالهم أو على جميع ما فصل من أول السورة وهذا