(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٦)
____________________________________
* الصَّالِحاتِ) على الإطلاق من المفتونين وغيرهم (لَهُمْ) بسبب ما ذكر من الإيمان والعمل الصالح (جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) إن أريد بالجنات الأشجار فجريان الأنهار من تحتها ظاهر وإن أريد بها الأرض المشتملة عليها فالتحية باعتبار جزئها الظاهر فإن أشجارها ساترة لساحتها كما يعرب عنه اسم الجنة وقد* مر بيانه مرارا (ذلِكَ) إشارة إما إلى الجنات الموصوفة والتذكير لتأويلها بما ذكر للإشعار بأن مدار الحكم عنوانها الذى يتنافس فيها المتنافسون فإن اسم الإشارة متعرض لذات المشار إليه من حيث اتصافه بأوصافه المذكورة لا لذاته فقط كما هو شأن الضمير فإذا أشير إلى الجنات من حيث ذكرها فقد اعتبر معها عنوانها المذكور حتما وأما إلى ما يفيده قوله تعالى (لَهُمْ جَنَّاتٌ) الخ من حيازتهم لها فإن حصولها لهم مستلزم لحيازتهم لها قطعا وأيا ما كان فما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجته وبعد منزلته فى الفضل والشرف ومحله الرفع على الابتداء خبره ما بعده أى ذلك المذكور العظيم الشأن* (الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) الذى تصغر عنده الدنيا وما فيها من فنون الرغائب بحذافيرها والفوز النجاة من الشر والظفر بالخير فعلى الأول هو مصدر أطلق على المفعول مبالغة وعلى الثانى مصدر على حاله (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) استئناف خوطب به النبى صلىاللهعليهوسلم إيذانا بأن لكفار قومه نصيبا موفورا من مضمونه كما ينبىء عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام والبطش الأخذ بعنف وحيث وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم وهو بطشه بالجبابرة والظلمة وأخذه إياهم بالعذاب والانتقام كقوله تعالى (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) أى هو يبدىء الخلق وهو يعيده من غير دخل لأحد فى شىء منهما ففيه مزيد تقرير لشدته بطشه أو هو يبدىء البطش بالكفرة فى الدنيا ويعيده فى الآخرة (وَهُوَ الْغَفُورُ) لمن تاب وآمن (الْوَدُودُ) المحب لمن أطاع (ذُو الْعَرْشِ) خالقه وقيل المراد بالعرش الملك أى ذو السلطنة* القاهرة وقرىء ذى العرش على أنه صفة ربك (الْمَجِيدُ) العظيم فى ذاته وصفاته فإنه واجب الوجود تام القدرة كامل الحكمة وقرىء بالجر على أنه صفة لربك أو للعرش ومجده علوه وعظمته (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) بحيث لا يتخلف عن إرادته مراد من أفعاله تعالى وأفعال غيره وهو خبر مبتدأ محذوف