(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤) فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) (١٧)
____________________________________
خلط الشىء بعضه ببعض فالمعنى ما خلط لهم من أنواع العذاب وقد فسر بالنصيب وبالشدة أيضا لأن السوط يطلق على كل منهما لغة فلا حاجة حينئذ فى تشبيهه بالمصبوب إلى اعتبار تكرر تعلقه بالمعذب كما فى المعنى الأول فإن كل واحد من هذه المعانى مما يقبل الاستمرار فى نفسه وقوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) تعليل لما قبله وإيذان بأن كفار قومه عليه الصلاة والسلام سيصيبهم مثل ما أصاب المذكورين من العذاب كما ينبىء عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام وقيل هو جواب القسم وما بينهما اعتراض والمرصاد المكان الذى يترقب فيه الرصد مفعال من رصده كالميقات من وقته وهذا تمثيل لإرصاده تعالى بالعصاة وأنهم لا يفوتونه وقوله تعالى (فَأَمَّا الْإِنْسانُ) الخ متصل بما قبله كأنه قيل أنه تعالى بصدد مراقبة أحوال عباده ومجازاتهم بأعمالهم خيرا* وشرا فأما الإنسان فلا يهمه ذلك وإنما مطمح أنظاره ومرصد أفكاره الدنيا ولذائذها (إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) أى عامله معاملة من يبتليه بالغنى واليسار والفاء فى قوله تعالى (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) تفسيرية فإن* الإكرام والتنعيم من الابتلاء (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) أى فضلنى بما أعطانى من المال والجاه حسبما كنت استحقه ولا يخطر بباله أنه فضل تفضل به عليه ليبلوه أيشكر أم يكفر وهو خبر للمبتدأ الذى هو الإنسان والفاء لما فى أما من معنى الشرط والظرف المتوسط على نية التأخير كأنه قيل فأما الإنسان فيقول ربى أكرمن وقت ابتلائه بالإنعام وإنما تقديمه للإيذان من أول الأمر بأن الإكرام والتنعيم بطريق الابتلاء ليتضح اختلال قوله المحكى (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ) أى وأما هو إذا ما ابتلاه ربه* (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة (فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) ولا يخطر بباله أن ذلك ليبلوه أيصبر أم يجزع مع أنه ليس من الإهانة فى شىء بل التقتير قد يؤدى إلى كرامة الدارين والتوسعة قد تفضى إلى خسرانهما وقرىء فقدر بالتشديد وقرىء أكرمنى وأهاننى بإثبات الياء وأكرمن وأهانن بسكون النون فى الوقف (كَلَّا) ردع للإنسان عن مقالته المحكية وتكذيب له فيها فى كلتا الحالتين قال ابن عباس رضى الله عنهما المعنى لم أبتله بالغنى؟؟؟ منه على ولم أبتله بالفقر لهوانه على* بل ذلك لمحض القضاء والقدر وحمل الردع والتكذيب إلى قوله الأخير بعيد وقوله تعالى (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) انتقال من بيان سوء أقواله إلى بيان سوء أفعاله والالتفات إلى الخطاب للإيذان باقتضاء ملاحظة جنايته السابقة لمشافهته بالتوبيخ تشديدا للتقريع وتأكيدا للتشنيع والجمع باعتبار