(يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (٢٧)
____________________________________
والقبيحة أو يتعظ وقوله تعالى (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) اعتراض جىء به لتحقيق أنه ليس يتذكر حقيقة لعرائه عن الجدوى بعدم وقوعه فى أوانه وأنى خبر مقدم والذكرى مبتدأ وله متعلق بما تعلق به الخبر أى ومن أين يكون له الذكرى وقد فات أوانها وقيل هناك مضاف محذوف أى وأنى له منفعة الذكرى والاستدلال به على عدم وجوب قبول التوبة فى دار التكليف مما لا وجه له على أن تذكره ليس من التوبة فى شىء فإنه عالم بأنها إنما تكون فى الدنيا كما يعرب عنه قوله تعالى (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) وهو بدل اشتمال من يتذكر أو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ منه كأنه قيل ماذا يقول عند تذكره فقيل يقول يا ليتنى عملت لأجل حياتى هذه أو وقت حياتى فى الدنيا أعمالا صالحة أنتفع بها اليوم وليس فى هذا التمنى شائبة دلالة على استقلال العبد بفعله وإنما الذى يدل عليه ذلك اعتقاد كونه متمكنا من تقديم الأعمال الصالحة وأما أن ذلك بمحض قدرته أو بخلق الله تعالى عند صرف قدرته الكاسبة إليه فكلا وأما ما قيل من أن المحجور قد يتمنى إن كان ممكنا منه فربما يوهم أن من صرف قدرته إلى أحد طرفى الفعل يعتقد أنه محجور من الطرف الآخر وليس كذلك بل كل أحد جازم بأنه لو صرف قدرته إلى أى طرف كان من أفعاله الاختيارية لحصل وعلى هذا يدور فلك التكليف وإلزام الحجة (فَيَوْمَئِذٍ) أى يوم إذ يكون ما ذكر من الأحوال والأقوال (لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ) (وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) الهاء لله تعالى أى لا يتولى عذاب الله تعالى ووثاقه أحد سواه إذ الأمر كله له أو الإنسان أى لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه وقرىء الفعلان على البناء للمفعول والضمير للإنسان أيضا وقيل المراد به أبى بن خلف أى لا يعذب أحد مثل عذابه ولا يوثق بالسلاسل والأغلال مثل وثاقه لتناهيه فى الكفر والعناد وقيل لا يحمل عذاب الإنسان أحد كقوله تعالى (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) وقوله تعالى (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) حكاية لأحوال من اطمأن بذكر الله عزوجل وطاعته إثر حكاية أحوال من اطمأن بالدنيا وصفت بالاطمئنان لأنها تترقى فى معارج الأسباب والمسببات إلى المبدأ المؤثر بالذات فتستقر دون معرفته وتستغنى به فى وجودها وسائر شؤنها عن غيره بالكلية وقيل هى النفس المطمئنة إلى الحق الواصلة إلى ثلج اليقين بحيث لا يخالجها شك ما وقيل هى الآمنة التى لا يستفزها خوف ولا حزن ويؤيده أنه قرىء يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة أى يقول