(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى) (٧)
____________________________________
لكنه لا يخلو فى الدنيا من بعض العوارض الفادحة فى تمشية الأحكام مع أنه عند ما أعد له عليه الصلاة والسلاة فى الآخرة من السبق والتقدم على كافة الأنبياء والرسل يوم الجمع يوم يقوم الناس لرب العالمين وكون أمته شهداء على سائر الأمم ورفع درجات المؤمنين وإعلاء مراتبهم بشفاعته وغير ذلك من الكرامات السنية التى لا تحيط بها العبارة بمنزلة بعض المبادى بالنسبة إلى المطالب وقيل المراد بالآخرة عاقبة أمره عليه الصلاة والسلام أى لنهاية أمرك خير من بدايته لا تزال تتزايد قوة وتتصاعد رفعة وقوله تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) عدة كريمة شاملة لما أعطاه الله تعالى فى الدنيا من كمال النفس وعلوم الأولين والآخرين وظهور الأمر وإعلاء الدين بالفتوح الواقعة فى عصره عليه الصلاة والسلام وفى أيام خلفائه الراشدين وغيرهم من الملوك الإسلامية وفشو الدعوة والإسلام فى مشارق الأرض ومغاربها ولما ادخر له من الكرامات التى لا يعلمها إلا الله تعالى وقد أنبأ ابن عباس رضى الله عنهما عن شمة منها حيث قال له عليه الصلاة والسلام فى الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك واللام للابتداء دخلت الخبر لتأكيد مضمون الجملة والمبتدأ محذوف تقديره ولأنت سوف يعطيك الخ لا للقسم لأنها لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة وجمعها مع سوف للدلالة على أن الإعطاء كائن لا محالة وإن تراخى لحكمة وقيل هى للقسم وقاعدة التلازم بينها وبين نون التأكيد قد استثنى النحاة منها صورتين إحداهما أن يفصل بينها وبين الفعل بحرف التنفيس كهذه الآية وكقوله والله لسأعطيك والثانية أن يفصل بينهما بمعمول الفعل كقوله تعالى (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) وقال أبو على الفارسى ليست هذه اللام هى التى فى قولك إن زيدا لقائم بل هى التى فى قولك لأقومن ونابت سوف عن إحدى نونى التأكيد فكأنه قيل وليعطينك وكذلك اللام فى قوله تعالى (وَلَلْآخِرَةُ) الخ وقوله تعالى (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) تعديد لما أفاض عليه عليه الصلاة والسلام من أول أمره إلى ذلك الوقت من فنون النعماء العظام ليستشهد بالحاضر الموجود على المترقب الموعود فيطمئن قلبه وينشرح صدره والهمزة لإنكار النفى وتقرير المنفى على أبلغ وجه كأنه قيل قد وجدك الخ والوجود بمعنى العلم ويتيما مفعوله الثانى وقيل بمعنى المصادقة ويتيما حال من مفعوله. روى أن أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستة أشهر وماتت أمه وهو ابن سنين فكفله عمه أبو طالب وعطفه الله عليه فأحسن تربيته وذلك أيواؤه وقرىء فأوى وهو إما من أواه بمعنى آواه أو من أوى له إذا رحمه وقوله تعالى (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) عطف على ما يقتضيه الإنكار السابق كما أشير إليه أو على المضارع المنفى بلم داخل فى حكمه كأنه قيل أما وجدك يتيما فأوى ووجدك غافلا عن الشرائع التى لا تهتدى