(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) (٦)
____________________________________
تناله دراية أحد حتى يدريك بها وما فى حيز الرفع على الابتداء وأدراك هو الخبر ولا سبيل إلى العكس ههنا وما القارعة جملة كما مر محلها النصب على نزع الخافض لأن أدرى يتعدى إلى المفعول الثانى بالباء كما فى قوله تعالى (وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) فلما وقعت الجملة الاستفهامية معلقة له كانت فى موقع المفعول الثانى له والجملة الكبيرة معطوفة على ما قبلها من الجملة الواقعة خبرا للمبتدأ الأول أى وأى شىء أعلمك ما شأن القارعة ولما كان هذا منبئا عن الوعد الكريم بإعلامها أنجز ذلك بقوله تعالى (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) على أن يوم مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف وحركته الفتح لإضافته إلى الفعل وإن كان مضارعا كما هو رأى الكوفيين أى هى يوم يكون الناس فيه كالفراش المبثوث فى الكثرة والانتشار والضعف والذلة والاضطراب والتطاير إلى الداعى كتطاير الفراش إلى النار أو منصوب بإضمار اذكر كأنه قيل بعد تفخيم أمر القارعة وتشويقه عليه الصلاة والسلام إلى معرفتها اذكر يوم يكون الناس الخ فإنه يدريك ما هى هذا وقد قيل إنه ظرف ناصبه مضمر يدل عليه القارعة أى تقرع يوم يكون الناس الخ وقيل تقديره ستأتيكم القارعة يوم يكون الخ (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) أى كالصوف الملون بالألوان المختلفة المندوف فى تفرق أجزائها وتطايرها فى الجو حسبما نطق به قوله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب وكلا الأمرين من آثار القارعة بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق يبدل الله عزوجل الأرض غير الأرض ويغير هيئاتها ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئات الهائلة ليشاهدها أهل المحشر وهى وإن اندكت وتصدعت عند النفخة الأولى لكن تسييرها وتسوية الأرض إنما يكونان بعد النفخة الثانية كما ينطق به قوله تعالى (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) وقوله تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) فإن اتباع الداعى الذى هو إسرافيل عليهالسلام وبروز الخلق لله سبحانه لا يكون إلا بعد البعث قطعا وقد مر تمام الكلام فى سورة النمل وقوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) الخ بيان إجمالى لتحزب الناس إلى حزبين وتنبيه على كيفية الأحوال الخاصة بكل منهما إثر بيان الأحوال الشاملة للكل والموازين إما جمع الموزون وهو العمل الذى له وزن وخطر عند الله كما قاله الفراء أو جمع ميزان قال ابن عباس رضى الله عنهما إنه ميزان له لسان وكفتان لا يورن فيه إلا الأعمال قالوا توضع فيه صحائف الأعمال فينظر إليه الخلائق إظهارا