(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) (٣)
____________________________________
أدعى إلى إحسان العمل واللام متعلقة بخلق أى خلق موتكم وحياتكم على أن الألف واللام عوض عن المضاف إليه ليعاملكم معاملة من يختبركم أيكم أحسن عملا فيجازيكم على مراتب متفاوتة حسب تفاوت طبقات علومكم وأعمالكم فإن العمل غير مختص بعمل الجوارح ولذلك فسره عليه الصلاة والسلام بقوله أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع فى طاعة الله فإن لكل من القلب والقالب عملا خاصا به فكما أن الأول أشرف من الثانى كذلك الحال فى عمله كيف لا ولا عمل بدون معرفة الله عزوجل الواجبة على العباد إثر ذى أثير وإنما طريقها النظرى التفكر فى بدائع صنع الله تعالى والتدبر فى آياته المنصوبة فى الأنفس والآفاق وقد روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لا تفضلونى على يونس بن متى فإنه كان يرفع له كل يوم مثل عمل أهل الأرض قالوا وإنما كان ذلك التفكر فى أمر الله عزوجل الذى هو عمل القلب ضرورة أن أحدا لا يقدر على أن يعمل بجوارحه كل يوم مثل عمل أهل الأرض وتعليق فعل البلوى أى تعقيبه بحرف الاستفهام لا التعليق المشهور الذى يقتضى عدم إيراد المفعول أصلا مع اختصاصه بأفعال القلوب لما فيه من معنى العلم باعتبار عاقبته كالنظر ونظائره ولذلك أجرى مجراه بطريق التمثيل وقيل بطريق الاستعارة التبعية وإيراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل لهم باعتبار أعمالهم المنقسمة إلى الحسن والأحسن فقط للإيذان بأن المراد بالذات والمقصد الأصلى من الابتلاء هو ظهور كمال إحسان المحسنين مع تحقق أصل الإيمان والطاعة فى الباقين أيضا لكمال تعاضد الموجبات له وأما الإعراض عن ذلك فبمعزل من الاندراج تحت الوقوع فضلا عن الانتظام فى سلك الغاية للأفعال الإلهية وإنما هو عمل يصدر عن عامله بسوء اختياره من غير مصحح له ولا تقريب وفيه من الترغيب فى الترقى إلى معارج العلوم ومدارج الطاعات والزجر عن مباشرة نقائضها ما لا يخفى (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب الذى لا يفوته من أساء العمل (الْغَفُورُ) لمن تاب منهم (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ) قيل هو نعت للعزيز الغفور أو بيان أو بدل والأوجه أنه نصب أو رفع على المدح متعلق بالموصولين السابقين معنى وإن كان منقطعا عنهما إعرابا كما مر تفصيله فى قوله تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) من سورة البقرة منتظم معهما فى سلك الشهادة بتعاليه إليه سبحانه ومع الموصول الثانى فى كونه مدارا للبلوى كما نطق به قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) وقوله تعالى (طِباقاً) صفة لسبع سموات أى مطابقة على أنه مصدر طابقت* النعل إذا خصفتها وصف به المفعول أو مصدر مؤكد لمحذوف هو صفتها أى طوبقت طباقا وقوله تعالى (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) صفة أخرى لسبع سموات وضع فيها خلق الرحمن موضع الضمير* للتعظيم والإشعار بعلة الحكم وبأنه تعالى خلقها بقدرته القاهرة رحمة وتفضلا وبأن فى إبداعها نعما