(أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥) فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) (٣٩)
____________________________________
ويكملون فرائضها وسننها ومستحباتها وآدابها وتكرير ذكر الصلاة ووصفهم بها أولا وآخرا باعتبارين للدلالة على فضلها وإنافتها على سائر الطاعات وتكرير الموصولات لتنزيل اختلاف الصفات منزلة اختلاف الذوات كما فى قول من قال[إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتائب فى المزدحم] إيذانا بأن كل واحد من الأوصاف المذكورة نعت جليل على حياله له شأن خطير مستتبع لأحكام جمة حقيق بأن يفرد له موصوف مستقل ولا يجعل شىء منها تتمة للآخر (أُولئِكَ) إشارة إلى الموصوفين بما ذكر من الصفات وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليهم للإيذان بعلو شأنهم وبعد منزلتهم* فى الفضل وهو مبتدأ خبره (فِي جَنَّاتٍ) أى مستقرون فى جنات لا يقادر قدرها ولا يدرك كنهها وقوله* تعالى (مُكْرَمُونَ) خبر آخر أو هو الخبر وفى جنات متعلق به قدم عليه لمراعاة الفواصل أو بمضمر هو حال من الضمير فى الخبر أى مكرمون كائنين فى جنات (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ) حولك (مُهْطِعِينَ) مسرعين نحوك مادى أعناقهم إليك مقبلين بأبصارهم عليك (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) أى فرقا شتى جمع عزة وأصلها عزوة من العز وكأن كل فرقة تعتزى إلى غير من تعتزى إليه الأخرى كان المشركون يحلقون حول رسول الله صلىاللهعليهوسلم حلقا حلقا وفرقا فرقا ويستهزؤن بكلامه عليه الصلاة والسلام ويقولون إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم فنزلت (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) بلا إيمان (كَلَّا) ردع لهم عن ذلك الطمع الفارغ (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) قيل هو تعليل للردع والمعنى إنا خلقناهم من أجل ما يعلمون كما فى قول الأعشى[أأزمعت من آل ليلى ابتكارا * وشطت على ذى هوى أن تزارا] وهو تكميا النفس بالإيمان والطاعة فمن لم يستكملها بذلك فهو بمعزل من أن يبوأ مبوأ الكاملين فمن أين لهم أن يطمعوا فى دخول الجنة وهم مكبون على الكفر والفسوق وإنكار البعث وقيل معناه إنا خلقناهم مما يعلمون من نطفة مذرة فمن أين يتشرفون ويدعون التقدم ويقولون لندخلن الجنة قبلهم وقيل إنهم مخلوقون من نطفة قدرة لا تناسب عالم القدس فمتى لم تستكمل الإيمان والطاعة ولم تتخلق بأخلاق الملكية لم تستعد لدخولها ولا يخفى ما فى الكل من التمحل والأقرب أنه كلام مستأنف قد سيق تمهيدا لما بعده من بيان قدرته تعالى على أن يهلكهم لكفرهم بالبعث والجزاء