(قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (٦) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) (٩)
____________________________________
بالإيمان والطاعة صريح فى أن لهم أجلا آخر لا يجاوزونه إن لم يؤمنوا وهو المراد بقوله تعالى (إِنَّ أَجَلَ اللهِ) أى ما قدر لكم على تقدير بقائكم على الكفر (إِذا جاءَ) وأنتم على ما أنتم عليه من الكفر (لا يُؤَخَّرُ) * فبادروا إلى بالإيمان والطاعة قبل مجيئه حتى لا يتحقق شرطه الذى هو بقاؤكم على الكفر فلا يجىء ويتحقق شرط التأخير إلى الأجل المسمى فتؤخروا إليه ويجوز أن يراد به وقت إتيان العذاب المذكور فى قوله تعالى (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) فإنه أجل موقت له حتما وحمله على الأجل الأطول مما لا يساعده المقام كيف لا والجملة تعليل للأمر بالعبادة المستتبعة للمغفرة والتأخير إلى الأجل المسمى فلا بد أن يكون المنفى عند مجىء الأجل هو التأخير الموعود فكيف يتصور أن يكون ما فرض مجيئه هو الأجل المسمى (لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أى لو كنتم تعلمون شيئا لسارعتم إلى ما أمرتكم به (قالَ) أى* نوح عليه الصلاة والسلام مناجيا ربه وحاكيا له تعالى وهو أعلم بحاله ما جرى بينه وبين قومه من القيل والقال فى تلك المدد الطوال بعد ما بذل فى الدعوة غاية المجهود وجاوز فى الإنذار كل حد معهود وضاقت عليه الحيل وعيت به العلل (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي) إلى الإيمان والطاعة (لَيْلاً وَنَهاراً) أى دائما من* غير فتور ولا توان (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) مما دعوتهم إليه وإسناد الزيادة إلى الدعاء لسببيته كما فى قوله تعالى (زادَتْهُمْ إِيماناً) (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ) إلى الإيمان (لِتَغْفِرَ لَهُمْ) بسببه (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) أى سدوا مسامعهم من استماع الدعوة (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) أى بالغوا فى التغطى بها كأنهم* طلبوا أن تغشاهم ثيابهم أو تغشيهم لئلا يبصروا كراهة النظر إليه أو لئلا يعرفهم فيدعوهم (وَأَصَرُّوا) * أى أكبوا على الكفر والمعاصى مستعار من أصر الحمار على العانة إذا أصر أذنيه وأقبل عليها (وَاسْتَكْبَرُوا) عن اتباعى وطاعتى (اسْتِكْباراً) شديدا (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) أى دعوتهم تارة بعد تارة ومرة غب مرة على وجوه متخالفة وأساليب متفاوتة وثم لتفاوت الوجوه فإن الجهار أشد من الإسرار والجمع بينهما أغلظ من الإفراد أو لتراخى بعضها عن بعض وجهارا منصوب بدعوتهم على المصدر لأنه أحد نوعى الدعاء أو أريد بدعوتهم جاهرتهم