وأما من ينكر الفاعل المختار ، فيلزمه هذا الاحتمال أيضا. لأن سبب حدوث الحوادث فى هذا العالم بتشكلات فلكية واتصالات كوكبية ـ على مذهبه ـ ولا يبعد أيضا : أن يحدث فى الفلك تشكل غريب يوجب حدوث هذه الحوادث ، فى هذا العالم. فثبت : أن هذا الاشكال ، لازم على كل الفرق.
والجواب عن الشبهة الثانية : ان الكرامات والمعجزات ـ وان اشتركا فى كون كل واحد منهما أمرا خارقا للعادة ـ ولكن تمتاز المعجزة عن الكرامة من وجوه :
أحدها : ان الدعوى شرط فى النبوة ، وليست شرطا فى الكرامة.
وثانيها : ان الحاصل فى النبوة ادعاء النبوة ، وفى الكرامة اما أن لا تحصل الدعوى. أو ان حصلت لكنها لا تكون دعوى النبوة ، بل دعوى الولاية.
وثالثها : ان المعجزة لا تكون لها معارضة ، والكرامة قد تكون لها معارضة.
والجواب عن الشبهة الثالثة : ان هذا الّذي ألزمتموه علينا ، لازم عليكم فى المعجزات. وذلك لأنه تعالى اذا بعث جمعا كثيرا من الأنبياء ، فظهر على يد كل واحد منهم فعلا خارقا للعادة ، فحينئذ تصير الخوارق للعادات موافقة للعادات. وذلك يقدح فى كون المعجزة معجزة. وان قلتم : ان تكثير المعجزات انما يجوز بشرط أن لا يصير انخراق العادة عادة ، كان هذا هو جوابنا فى الكرامات.
والجواب عن الشبهة الرابعة : ان دليل النبوة ليس هو الفعل الخارق للعادة فقط ، بل هو الفعل مقرونا بدعوى النبوة مع عدم المعارضة. وهذا المجموع لا يحصل لغير الأنبياء ، فلا يلزم سقوط وقعها.
والجواب عن الشبهة الخامسة : ان ظهور الكرامات عليه ، لا يوجب كونه صادقا فى جميع الأمور ، فلا جرم يجوز مطالبته بالبينة. وبالله التوفيق.