ان صاحب الكبيرة لا يخزى ، لأنه مؤمن ، والمؤمن لا يخزى. وانما قلنا : انه مؤمن. لقوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ، فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما. فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى ، فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ، حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) (الحجرات) سماهم مؤمنين حال ما وصفهم بالبغى. وانما قلنا : ان المؤمن لا يخزى : لقوله تعالى : (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ ، عَلَى الْكافِرِينَ) (النحل ٢٧) ولقوله : (لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) (التحريم ٨) ولقوله تعالى حكاية عن المؤمنين : (وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ) (آل عمران ١٩٤) ثم قال تعالى : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) (آل عمران ١٩٥) فثبت : ان صاحب الكبيرة مؤمن ، وثبت : أن المؤمن لا يخزى ، فيلزم أن صاحب الكبيرة لا يخزى. وانما قلنا : ان كل من أدخل النار ، فقد أخزى. لقوله تعالى : (إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ ، فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) (آل عمران ١٩٢) ولما ثبتت هاتان المقدمتان ، لزم القطع بأن صاحب الكبيرة لا يدخل النار.
الحجة الثانية عشر : الايمان أقوى من الكفر ، ولما لم ينفع مع الكفر شيء من الطاعات ، وجب أن لا يضر مع الايمان شيء من المعاصى.
الحجة الثالثة عشر : الكافر اذا أسلم ، أزال ثواب ايمانه عقاب كفره. فدل هذا : على أن ثواب الايمان أزيد من عقاب الكفر ، وعقاب الكفر لا شك أنه أزيد من عقاب الفسق. فيلزم أن يكون ثواب الايمان ، أزيد من عذاب الفسق بكثير. وعند الجبر والمقابلة يفضل ثواب الايمان لا محالة. فوجب القطع بأن المؤمن من أهل الجنة.
ولا يقال : انه إذا كفر بعد ايمانه ، فعقاب كفره ، يزيل ثواب ايمانه. لأنا نقول : هب أنه كذلك ، لكن بهذا الطريق لا يظهر أن عذاب الفسق أزيد من ثواب الايمان.
وبالطريق الّذي ذكرناه : يظهر أن ثواب الايمان ، أزيد من عذاب الفسق. فكان الترجيح لدليلنا. والله أعلم.