لأنه يجوز فى العقل حصول هذه التصورات الأربعة بدون التصديق. فالتصديق مجهول من حيث انه تصديق ، ولكنه معلوم من حيث انه تصور وأما التصور فهو شيء واحد. فيستحيل أن يكون معلوما من وجه ، مجهولا من وجه. فظهر الفرق.
أما القدماء. فقد احتجوا على قولهم : بأنا نجد من أنفسنا أنا نطلب تصور حقائق الأشياء. كقولنا : ما الملك؟ وما الروح؟ وذلك يدل على أن التصورات قد تكون مكتسبة.
واعلم : أن الجواب عنه مبنى عنه مبنى على مقدمة. وهى : انه لا يمكننا أن نتصور شيئا ، الا ما ندركه باحدى الحواس الخمس ، أو نجده من النفس. كالألم واللذة والفرح والغضب ، أو ما يركبه العقل والخيال من أحد هذه الأمور. كشجر من ياقوت ، وبحر من زئبق.
اذا عرفت هذا ، فنقول : قول القائل : ما الملك؟ وما الروح؟ معناه : أنك تشير بهذا اللفظ الى هذه الصورة الحاضرة فى الذهن ، فكان هذا الاستفهام فى تعيين المراد بهذا اللفظ. وأما التصديقات. فلا شك أنها قسمان : بعضها بديهية ، وبعضها كسبية. ولا شك أن المكتسب انما يكتسب من تركيب البديهيات. ولا شك أن أجلى البديهيات هو أن النفى والاثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان.
فان قيل : أما أن النفى والاثبات لا يجتمعان ، فهو ظاهر. وأما أنهما لا يرتفعان. فليس فى غاية الظهور ، لم لا يجوز أن تكون بينهما واسطة؟
قلنا : العقل ما استحضر ماهية النفى والاثبات ، الا وجزم بأنه لا واسطة بينهما. فالمراد من الإثبات : كل ماله تحقق وتعين وتميز فى نفسه ، وبالنفى ما لا تحقق له ولا تعين له ، ولا تخصص له ، البتة فى نفسه.
اذا عرفت هذا ، فنقول : تلك الواسطة ان كان لها تعين وتخصص