والطائفة الثانية : الذين قالوا بأن هذه الأرواح البشرية لا تقوى على ادراك الجزئيات الا بواسطة آلات جسمانية. فاذا مات البدن واختلف هذه الآلات الجسمانية ، لم يبعد تعلق هذه النفوس بجزء من أجزاء السموات ، حتى يكون ذلك الجزء آلة للنفس ، بها تقوى على الادراكات الجزئية من الابصار والسماع والتخيل والتفكر.
الطائفة الثالثة : الذين يقولون : النفس اذا انقطع تعلقها عن بدن معين ، تعلقت ببدن آخر ، فان كانت فى البدن الأول من النفوس الزكية الفاضلة ، تعلقت ببدن كريم فاضل. وان كانت فى البدن الأول. من النفوس الجاهلة المؤذية ، تعلقت ببدن مناسب لها. وهؤلاء هم القائلون بالتناسخ. وهم فرق :
احداها : الذين يقولون : الأرواح الانسانية لا تتعلق الا بالأبدان الانسانية ، ثم انها لا تزال تنتقل من بدن الى بدن ، الى أن تكمل النفس وتصير طاهرة عن جميع العلائق الجسمانية ، وحينئذ تتخلص الى عالم القدس والطهارة.
وثانيها : الذين يجوزون انتقال الأرواح الانسانية الى أبدان البهائم. ويقال لهم : أهل المسخ.
وثالثها : الذين قالوا : الأرواح البشرية اذا فارقت أبدانها ، فقد تتعلق بأبدان الحيوانات ، وبأبدان النباتات والمعادن والبسائط. قالوا : وهذا هو غاية العذاب. وإليه الاشارة بالدركات الضيقة فى جهنم.
قالوا : وذلك لأن القوى الناطقة والحاسة والفعالة والغاذية كلها أنوار تفيض من عالم الأرواح ، فتغوص فى بواطن الأجسام. وبواطن الأجسام مظلمة جدا ، الا أنها مستنيرة بسبب غوص هذه القوى فيها. وكلما كانت هذه القوى أقل ، كانت بواطن الأجسام