هي شاذة بالنسبة إلى قراءة الجمهور ، فلا يحتج بها ، والله أعلم.
وقوله : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) أي أنه لبصير بهم سميع لهم ، قال ابن جرير (١) : وذلك في معنى المبالغة في المدح ، كأنه قيل : ما أبصره وأسمعه ، وتأويل الكلام ما أبصر الله لكل موجود ، وأسمعه لكل مسموع ، لا يخفى عليه من ذلك شيء. ثم روي عن قتادة في قوله : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع. وقال ابن زيد (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) يرى أعمالهم ويسمع ذلك منهم سميعا بصيرا. وقوله : (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) أي أنه تعالى هو الذي له الخلق والأمر ، الذي لا معقب لحكمه ، وليس له وزير ولا نصير ولا شريك ولا مشير ، تعالى وتقدس.
(وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (٢٨)
يقول تعالى آمرا رسوله صلىاللهعليهوسلم بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) أي لا مغير لها ولا محرّف ولا مزيل. وقوله : (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) عن مجاهد ملتحدا قال : ملجأ. وعن قتادة : وليا ولا مولى. قال ابن جرير : يقول إن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ، فإنه لا ملجأ لك من الله ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] وقال : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) [القصص : ٨٥] أي سائلك عما فرض عليك من إبلاغ الرسالة.
وقوله : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشيا ، من عباد الله سواء كانوا فقراء أو أغنياء ، أو أقوياء أو ضعفاء ، أو ضعفاء يقال : إنها نزلت في أشراف قريش حين طلبوا من النبي صلىاللهعليهوسلم أن يجلس معهم ، وحده ، ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه ، كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود ، وليفرد أولئك بمجلس على حدة ، فنهاه الله عن ذلك فقال : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) الآية ، وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء ، فقال (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) [الأنعام: ٥٢] الآية.
وقال مسلم في صحيحه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي عن إسرائيل عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد هو ابن أبي وقاص قال : كنا مع النبيصلىاللهعليهوسلم ستة نفر
__________________
(١) تفسير الطبري ٨ / ٢١٢.