وقوله : (لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) قال مجاهد : يعني الوثن (١) ، يعني بئس هذا الذي دعاه من دون الله مولى ، يعني وليا وناصرا ، (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) وهو المخالط والمعاشر ، واختار ابن جرير أن المراد لبئس ابن العم والصاحب (مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) وقول مجاهد إن المراد به الوثن أولى وأقرب إلى سياق الكلام ، والله أعلم.
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (١٤)
لما ذكر أهل الضلالة الأشقياء عطف بذكر الأبرار السعداء من الذين آمنوا بقلوبهم وصدقوا إيمانهم بأفعالهم ، فعملوا الصالحات من جميع أنواع القربات ، وتركوا المنكرات ، فأورثهم ذلك سكنى الدرجات العاليات في روضات الجنات ، ولما ذكر تعالى أنه أضل أولئك وهدى هؤلاء قال : (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ).
(مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ) (١٦)
قال ابن عباس : من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا صلىاللهعليهوسلم في الدنيا والآخرة ، فليمدد بسبب أي بحبل (إِلَى السَّماءِ) أي سماء بيته (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) يقول ثم ليختنق به ، وكذا قال مجاهد وعكرمة وعطاء وأبو الجوزاء وقتادة وغيرهم ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) أي ليتوصل إلى بلوغ السماء ، فإن النصر إنما يأتي محمدا من السماء (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) ذلك عنه إن قدر على ذلك ، وقول ابن عباس وأصحابه أولى وأظهر في المعنى وأبلغ في التهكم ، فإن المعنى من كان يظن أن الله ليس بناصر محمدا وكتابه ودينه ، فليذهب فليقتل نفسه إن كان ذلك غائظه ، فإن الله ناصره لا محالة ، قال الله تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) [غافر : ٥١ ـ ٥٢] الآية ، ولهذا قال : (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) قال السدي : يعني من شأن محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقال عطاء الخراساني : فلينظر هل يشفي ذلك ما يجد في صدره من الغيط. وقوله : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ) أي القرآن (آياتٍ بَيِّناتٍ) أي واضحات في لفظها ومعناها ، حجة من الله على الناس ، (وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ) أي يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، وله الحكمة التامة والحجة القاطعة في ذلك (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) [الأنبياء : ٢٣] أما هو فلحكمته ورحمته وعدله وعلمه وقهره وعظمته لا معقب لحكمه ، وهو سريع الحساب.
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٩ / ١١٧.