وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) (٨٨)
قال ابن عباس (فَأَتْبَعَ سَبَباً) يعني بالسبب المنزل ، وقال مجاهد (فَأَتْبَعَ سَبَباً) منزلا وطريقا ما بين المشرق والمغرب ، وفي رواية عن مجاهد (سَبَباً) قال : طريقا في الأرض وقال قتادة : أي اتبع منازل الأرض ومعالمها ، وقال الضحاك (فَأَتْبَعَ سَبَباً) أي المنازل ، وقال سعيد بن جبير في قوله : (فَأَتْبَعَ سَبَباً) قال : علما ، وهكذا قال عكرمة وعبيد بن يعلى والسدي ، وقال مطر : معالم وآثار كانت قبل ذلك.
وقوله : (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) أي فسلك طريقا حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب وهو مغرب الأرض ، وأما الوصول إلى مغرب الشمس من السماء فمتعذر ، وما يذكره أصحاب القصص والأخبار من أنه سار في الأرض مدة ، والشمس تغرب من ورائه ، فشيء لا حقيقة له ، وأكثر ذلك من خرافات أهل الكتاب واختلاف زنادقتهم وكذبهم ، وقوله : (وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط ، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله يراها كأنها تغرب فيه وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه ، والحمئة مشتقة على إحدى القراءتين من الحمأة وهو الطين ، كما قال تعالى : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) [الحجر : ٢٨] أي طين أملس ، وقد تقدم بيانه.
وقال ابن جرير (١) : حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أنبأنا نافع بن أبي نعيم ، سمعت عبد الرحمن الأعرج يقول : كان ابن عباس يقول في عين حمئة ثم فسرها ذات حمئة ، قال نافع : وسئل عنها كعب الأحبار ، فقال : أنتم أعلم بالقرآن مني ، ولكني أجدها في الكتاب تغيب في طينة سوداء ، وكذا روى غير واحد عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد وغير واحد. وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا محمد بن دينار عن سعد بن أوس عن مصدع ، عن ابن عباس عن أبي بن كعب أن النبي صلىاللهعليهوسلم أقرأه حمئة. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : وجدها تغرب في عين حامية ، يعني حارة ، وكذا قال الحسن البصري. وقال ابن جرير : والصواب أنهما قراءتان مشهورتان وأيهما قرأ القارئ فهو مصيب ، قلت : ولا منافاة بين معنييهما إذ قد تكون حارة لمجاورتها وهج الشمس عند غروبها وملاقاتها الشعاع بلا حائل ، وحمئة في ماء وطين أسود ، كما قال كعب الأحبار وغيره.
وقال ابن جرير (٢) : حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام حدثني مولى لعبد الله بن عمرو عن عبد الله قال نظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الشمس حين غابت فقال : «في
__________________
(١) تفسير الطبري ٨ / ٢٧٤.
(٢) تفسير الطبري ٨ / ٢٧٥.