علينا ، إنا كنا فاعلين» (١) وذكر تمام الحديث ، أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة ، ذكره البخاري عند هذه الآية في كتابه ، وقد روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن عائشة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نحو ذلك ، وقال العوفي عن ابن عباس في قوله : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) قال : يهلك كل شيء كما كان أول مرة (٢).
(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥) إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (١٠٧)
يقول تعالى مخبرا عما حتمه وقضاه لعباده الصالحين من السعادة في الدنيا والآخرة ووراثة الأرض في الدنيا والآخرة ، كقوله تعالى : (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف : ١٢٨] وقال : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) [غافر : ٥١] وقال : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) [النور : ٥٥] وأخبر تعالى أن هذا مسطور في الكتب الشرعية والقدرية وهو كائن لا محالة ، ولهذا قال تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ).
قال الأعمش : سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) فقال الزبور : التوراة والإنجيل ، والقرآن وقال مجاهد : الزبور الكتاب ، وقال ابن عباس والشعبي والحسن وقتادة وغير واحد : الزبور الذي أنزل على داود ، والذكر التوراة. وعن ابن عباس : الذكر القرآن ، وقال سعيد بن جبير : الذكر الذي في السماء. وقال مجاهد : الزبور الكتب بعد الذكر والذكر أم الكتاب عند الله ، واختار ذلك ابن جرير رحمهالله ، وكذا قال زيد بن أسلم : هو الكتاب الأول ، وقال الثوري : هو اللوح المحفوظ.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الزبور الكتب التي أنزلت على الأنبياء ، والذكر أمّ الكتاب الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : أخبر الله سبحانه وتعالى في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السموات والأرض أن يورث أمة محمدصلىاللهعليهوسلم الأرض ، ويدخلهم الجنة وهم الصالحون. وقال مجاهد عن ابن عباس (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) قال : أرض الجنة ، وكذا قال أبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة والسدي وأبو صالح والربيع بن أنس والثوري ، وقال أبو الدرداء نحن الصالحون. وقال السدي : هم المؤمنون.
__________________
(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٥ ، باب ١٤ ، وسورة ٢١ باب ٢ ، والرقاق باب ٤٥ ، ومسلم في الجنة حديث ٥٨ ، والترمذي في القيامة باب ٣ ، وتفسير سورة ٢١ ، باب ٤ ، والنسائي في الجنائز باب ١١٩.
(٢) انظر تفسير الطبري ٩ / ٩٦.