نصلي ، ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس هو من النسك في شيء» (١) أخرجاه ، فلهذا قال الشافعي وجماعة من العلماء: إن أول وقت ذبح الأضاحي إذا طلعت الشمس يوم النحر ومضى قدر صلاة العيد والخطبتين ، زاد أحمد : وأن يذبح الإمام بعد ذلك لما جاء في صحيح مسلم : وأن لا تذبحوا حتى يذبح الإمام. وقال أبو حنيفة : أما أهل السواد من القرى ونحوهم فلهم أن يذبحوا بعد طلوع الفجر إذ لا صلاة عيد تشرع عنده لهم. وأما أهل الأمصار فلا يذبحوا حتى يصلي الإمام ، والله أعلم.
ثم قيل : لا يشرع بالذبح إلا يوم النحر وحده. وقيل : يوم النحر لأهل الأمصار لتيسر الأضاحي عندهم ، وأما اهل القرى فيوم النحر وأيام التشريق بعده ، وبه قال سعيد بن جبير. وقيل: يوم النحر ويوم بعده للجميع ، وقيل : ويومان بعده ، وبه قال الإمام أحمد. وقيل : يوم النحر وثلاثة أيام التشريق بعده ، وبه قال الشافعي لحديث جبير بن مطعم أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم قال : «أيام التشريق كلها ذبح» رواه أحمد (٢) وابن حبان.
وقيل : إن وقت الذبح يمتد إلى آخر ذي الحجة ، وبه قال إبراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وهو قول غريب. وقوله : (كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) يقول تعالى من أجل هذا (سَخَّرْناها لَكُمْ) أي ذللناها لكم ، وجعلناها منقادة لكم خاضعة ، إن شئتم ركبتم ، وإن شئتم حلبتم ، وإن شئتم ذبحتم ، كما قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ ـ إلى قوله ـ أَفَلا يَشْكُرُونَ) [يس : ٧١ ـ ٧٣] وقال في هذه الآية الكريمة : (كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
(لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (٣٧)
يقول تعالى : إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا لتذكروه عند ذبحها ، فإنه الخالق الرزاق لا يناله شيء من لحومها ولا دمائها ، فإنه تعالى هو الغني عما سواه وقد كانوا في جاهليتهم إذا ذبحوها لآلهتهم وضعوا عليها من لحوم قرابينهم ، ونضحوا عليها من دمائها ، فقال تعالى : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها). وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن أبي حماد ، حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج قال : كان أهل الجاهلية ينضحون البيت بلحوم الإبل ودمائها ، فقال أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فنحن أحق أن ننضح ، فأنزل الله (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) أي يتقبل ذلك ويجزي عليه ، كما جاء في الصحيح «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ، ولكن ينظر إلى
__________________
(١) أخرجه البخاري في العيدين باب ٨ ، ١٠ ، ومسلم في الأضاحي حديث ٧.
(٢) المسند ٤ / ٨٢.