وقوله (وَالْأَوْلادِ) قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك يعني أولاد الزنا ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو ما كانوا قتلوه من أولادهم سفها بغير علم ، وقال قتادة والحسن البصري : قد والله شاركهم في الأموال والأولاد مجسوا وهودوا ونصروا وصبغوا على غير صبغة الإسلام ، وجزءوا أموالهم جزءا للشيطان ، وكذا قال قتادة سواء ، وقال أبو صالح عن ابن عباس هو تسميتهم أولادهم عبد الحارس وعبد الشمس وعبد فلان قال ابن جرير وأولى الأقوال بالصواب أن يقال كل مولود ولدته أنثى عصي الله فيه بتسميته بما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو بقتله أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بفعله به أو فيه فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه لأن الله لم يخصص بقوله (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) معنى دون معنى فكل ما عصي الله فيه أو به أطيع الشيطان فيه أو به فهو مشاركة.
وهذا الذي قاله متجه وكل من السلف رحمهمالله فسر بعض المشاركة فقد ثبت في صحيح مسلم عن عياض بن حماد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قال «يقول الله عزوجل إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم» (١) وفي الصحيحين أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا» (٢).
وقوله تعالى : (وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) [الإسراء : ٦٤] كما أخبر تعالى عن إبليس أنه يقول إذ حصحص الحق يوم يقضى بالحق (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) [إبراهيم : ٢٢] الآية وقوله تعالى (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) إخبار بتأييده تعالى عباده المؤمنين وحفظه إياهم وحراسته لهم من الشيطان الرجيم ولهذا قال تعالى (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) أي حافظا ومؤيدا ونصيرا ، وقال الإمام أحمد (٣) : حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن المؤمن لينضي شياطينه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر» ينضي أي يأخذ بناصيته ويقهره.
(رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (٦٦)
ويخبر تعالى عن لطفه بخلقه في تسخيره لعباده الفلك في البحر وتسهيله لمصالح عباده لابتغائهم من فضله في التجارة من إقليم إلى إقليم ولهذا قال : (إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) أي إنما فعل هذا بكم في فضله عليكم ورحمته بكم.
__________________
(١) أخرجه مسلم في الجنة حديث ٦٣.
(٢) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ١١ ، ومسلم في الطلاق حديث ٦.
(٣) المسند ٢ / ٣٨٠.