قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة. وقال مجاهد : ربوة مستوية ، وقال سعيد بن جبير (ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) استوى الماء فيها. وقال مجاهد وقتادة (وَمَعِينٍ) الماء الجاري. ثم اختلف المفسرون في مكان هذه الربوة : من أي أرض هي؟ فقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ليس الربى إلا بمصر ، والماء حين يسيل يكون الربى عليها القرى ، ولولا الربى غرقت القرى ، وروي عن وهب بن منبه نحو هذا ، وهو بعيد جدا.
وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) قال : هي دمشق ، قال : وروي عن عبد الله بن سلام والحسن وزيد بن أسلم وخالد بن معدان نحو ذلك. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس (ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) قال : أنهار دمشق. وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) قال : عيسى ابن مريم وأمه حين أويا إلى غوطة دمشق وما حولها. وقال عبد الرزاق عن بشر بن رافع عن أبي عبد الله بن عم أبي هريرة قال : سمعت أبا هريرة يقول في قول الله تعالى : (إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) قال : هي الرملة من فلسطين.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي ، حدثنا رواد بن الجراح ، حدثنا عباد بن عباد الخواص أبو عتبة ، حدثنا السيباني عن ابن وعلة عن كريب السحولي عن مرة البهزي قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول لرجل : «إنك تموت بالربوة ، فمات بالرملة» ، وهذا حديث غريب جدا وأقرب الأقوال في ذلك ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) قال : المعين الماء الجاري ، وهو النهر الذي قال الله تعالى : (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) [مريم : ٢٤] وكذا قال الضحاك وقتادة (إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) وهو بيت المقدس ، فهذا ـ والله أعلم ـ هو الأظهر ، لأنه المذكور في الآية الأخرى والقرآن يفسر بعضه بعضا ، وهذا أولى ما يفسر به ، ثم الأحاديث الصحيحة ثم الآثار.
(يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) (٥٦)
يأمر تعالى عباده المرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين بالأكل من الحلال والقيام بالصالح من الأعمال ، فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح ، فقام الأنبياء عليهمالسلام بهذا أتم القيام ، وجمعوا بين كل خير قولا وعملا ودلالة ونصحا ، فجزاهم الله عن العباد خيرا. قال الحسن البصري في قوله : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) قال : أما والله ما أمركم بأصفركم ولا أحمركم ولا حلوكم ولا حامضكم ، ولكن قال : انتهوا إلى الحلال منه. وقال سعيد بن جبير والضحاك (كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) يعني الحلال. وقال أبو إسحاق