مكنه منهم وحكمه فيهم وأظفره بهم وخيّره إن شاء قتل وسبي وإن شاء منّ أو فدى فعرف عدله وإيمانه فيما أبداه عدله وبيانه في قوله : (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) أي من استمر على كفره وشركه بربه (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) قال قتادة بالقتل وقال السدي كان يحمي لهم بقر النحاس ويضعهم فيها حتى يذوبوا وقال وهب بن منبه كان يسلط الظلمة فتدخل أجوافهم وبيوتهم وتغشاهم من جميع جهاتهم والله أعلم ، وقوله : (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) أي شديدا بليغا وجيعا أليما وفي هذا إثبات المعاد والجزاء. وقوله : (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ) أي اتبعنا على ما ندعوه إليه من عبادة الله وحده لا شريك له (فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) أي في الدار الآخرة عند الله عزوجل (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) قال مجاهد معروفا.
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) (٩١)
يقول تعالى ثم سلك طريقا فسار من مغرب الشمس إلى مطلعها وكان كلما مر بأمة قهرهم وغلبهم ودعاهم إلى الله عزوجل فإن أطاعوه وإلا أذلهم وأرغم آنافهم واستباح أموالهم وأمتعتهم واستخدم من كل أمة ما تستعين به جيوشه على قتال الأقاليم المتاخمة لهم ، وذكر في أخبار بني إسرائيل أنه عاش ألفا وستمائة سنة يجوب الأرض طولها والعرض حتى بلغ المشارق والمغارب ولما انتهى إلى مطلع الشمس من الأرض كما قال تعالى (وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ) أي أمة (لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) أي ليس لهم بناء يكنهم ولا أشجار تظلهم وتسترهم من حر الشمس ، وقال سعيد بن جبير كانوا حمرا قصارا مساكنهم الغيران أكثر معيشتهم من السمك.
قال أبو داود الطيالسي : حدثنا سهل بن أبي الصلت سمعت الحسن وسأل عن قول الله تعالى (لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) قال إن أرضهم لا تحمل البناء فإذا طلعت الشمس تغوروا في المياه فإذا غربت خرجوا يتراغون كما ترغى البهائم قال الحسن هذا حديث سمرة ، وقال قتادة ذكر لنا أنهم بأرض لا تنبت لهم شيئا فهم إذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب حتى إذا زالت الشمس خرجوا إلى حروثهم ومعايشهم. وعن سلمة بن كهيل أنه قال : ليست لهم أكنان إذا طلعت الشمس طلعت عليهم فلأحدهم أذنان يفرش إحداهما ويلبس الأخرى. قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : (وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) قال هم الزنج.
وقال ابن جرير (١) في قوله : (وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) قال لم يبنوا فيها بناء قط ولم يبن عليهم بناء قط كانوا إذا طلعت الشمس دخلوا أسرابا لهم حتى تزول
__________________
(١) في تفسير الطبري ٨ / ٢٧٧ ، قال ابن جريج وليس ابن جرير.