قرناء في النار يلعن بعضهم بعضا ، ويكفر بعضهم ببعض. وقال السدي (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) قال : الخصماء الأشداء في الخصومة ، وقال الضحاك (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) قال : أعداء. وقال ابن زيد : الضد البلاء ، وقال عكرمة : الضد الحسرة.
وقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : تغويهم إغواء ، وقال العوفي عنه : تحرضهم على محمد وأصحابه. وقال مجاهد : تشليهم إشلاء وقال قتادة : تزعجهم إزعاجا إلى معاصي الله ، وقال سفيان الثوري : تغريهم إغراء وتستعجلهم استعجالا. وقال السدي : تطغيهم طغيانا. وقال عبد الرحمن بن زيد : هذا كقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف : ٣٦] وقوله : (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) أي لا تعجل يا محمد على هؤلاء في وقوع العذاب بهم (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) أي إنما نؤخرهم لأجل معدود مضبوط ، وهم صائرون لا محالة إلى عذاب الله ونكاله. وقال : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم : ٤٢] الآية ، (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) [الطارق : ١٧] (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) [آل عمران : ١٧٨] (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) [لقمان : ٢٤] (قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) [إبراهيم : ٣٠] وقال السدي : إنما نعد لهم عدا : السنين والشهور والأيام والساعات. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) قال : نعد أنفاسهم في الدنيا (١).
(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (٨٧)
يخبر تعالى عن أوليائه المتقين الذين خافوه في الدار الدنيا ، واتبعوا رسله وصدقوهم فيما أخبروهم ، وأطاعوهم فيما أمروهم به ، وانتهوا عما عنه زجروهم ، أنه يحشرهم يوم القيامة وفدا إليه ، والوفد هم القادمون ركبانا ، ومنه الوفود وركوبهم على نجائب من نور من مراكب الدار الآخرة. وهم قادمون على خير موفود إليه إلى دار كرامته ورضوانه ، وأما المجرمون المكذبون للرسل المخالفون لهم ، فإنهم يساقون عنفا إلى النار (وِرْداً) عطاشا ، قاله عطاء وابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد ، وهاهنا يقال : (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) [مريم : ٧٣].
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن خالد عن عمرو بن قيس الملائي عن ابن مرزوق (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) قال : يستقبل المؤمن عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها وأطيبها ريحا ، فيقول : من أنت؟ فيقول أما تعرفني؟ فيقول : لا ، إلا أن الله قد طيب ريحك وحسن وجهك ، فيقول : أنا عملك الصالح ، هكذا كنت في الدنيا حسن
__________________
(١) هذا الأثر والآثار التي قبله في تفسير الطبري ٨ / ٣٧٩.