عمرو إنه يفرق بين أهل الهدى والضلالة به ، فهو كقوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) [الروم : ١٤] وقال (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) [الروم : ٤٣] ، وقال تعالى : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) [يس : ٥٩] ، وقال تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ ـ إلى قوله ـ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [يونس : ٢٨ ـ ٣٠].
وقوله : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) أي أنهم لما عاينوا جهنم حين جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك فإذا (رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) تحققوا لا محالة أنهم مواقعوها ، ليكون ذلك من باب تعجيل الهم والحزن لهم ، فإن توقع العذاب والخوف منه قبل وقوعه عذاب ناجز. وقوله : (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) أي ليس لهم طريق يعدل بهم عنها ولا بد لهم منها.
قال ابن جرير (١) : حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الكافر ليرى جهنم فيظن أنها مواقعته من مسيرة أربعمائة سنة». وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ينصب الكافر مقدار خمسين ألف سنة ، كما لم يعمل في الدنيا ، وإن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة».
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (٥٤)
يقول تعالى : ولقد بينا للناس في هذا القرآن ووضحنا لهم الأمور وفصلناها كيلا يضلوا عن الحق ويخرجوا عن طريق الهدى ، ومع هذا البيان وهذا الفرقان الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل إلا من هدى الله بصره لطريق النجاة.
قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزهري ، أخبرني علي بن الحسين أن حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة ، فقال : «ألا تصليان؟» فقلت : يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله ، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئا ، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه ويقول : (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (٤) أخرجاه في الصحيحين.
__________________
(١) تفسير الطبري ٨ / ٢٤١.
(٢) المسند ٣ / ٧٥.
(٣) المسند ١ / ١١٢.
(٤) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١٨ ، باب ١ ، والاعتصام باب ١٨ ، والتهجد باب ٥ ، والتوحيد باب ـ