عن التبذير والسرف (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) أي أشباههم في ذلك. قال ابن مسعود : التبذير الإنفاق في غير حق ، وكذا قال ابن عباس ، وقال مجاهد : لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرا ، ولو أنفق مدا في غير حق كان مبذرا. وقال قتادة : التبذير النفقة في معصية الله تعالى ، وفي غير الحق والفساد.
وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : أتى رجل من بني تميم إلى رسول الله فقال : يا رسول الله إني ذو مال كثير ، وذو أهل وولد وحاضرة ، فأخبرني كيف أنفق ، وكيف أصنع؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تخرج الزكاة من مالك إن كان ، فإنها طهرة تطهرك ، وتصل أقرباءك ، وتعرف حق السائل والجار والمسكين» فقال : يا رسول الله أقلل لي؟ (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) فقال : حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله وإلى رسوله؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها ولك أجرها ، وإثمها على من بدلها».
وقوله : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) أي في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته ، ولهذا قال (وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) أي جحودا ، لأنه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته ، بل أقبل على معصيته ومخالفته. وقوله : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ) الآية ، أي إذا سألك أقاربك ومن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء ، أعرضت عنهم لفقد النفقة (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) أي عدهم وعدا بسهولة ولين ، إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله ، هكذا فسر قوله : (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) بالوعد ، مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغير واحد.
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (٣٠)
يقول تعالى آمرا بالاقتصاد في العيش ، ذاما للبخل ، ناهيا عن السرف (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) أي لا تكن بخيلا منوعا ، لا تعطي أحدا شيئا ، كما قالت اليهود ـ عليهم لعائن الله ـ (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة : ٦٤] أي نسبوه إلى البخل ، تعالى وتقدس الكريم الوهاب ، وقوله (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) أي ولا تسرف في الإنفاق ، فتعطي فوق طاقتك ، وتخرج أكثر من دخلك فتقعد ملوما محسورا ، وهذا من باب اللف والنشر ، أي فتقعد إن بخلت ملوما يلومك الناس ويذمونك ويستغنون عنك ، كما قال زهير بن أبي سلمى في المعلقة : [الطويل]
__________________
(١) المسند ٣ / ١٣٦.