وأغفلتها ، كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) [الأعراف : ٥١] فإن الجزاء من جنس العمل. فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه ، فليس داخلا في هذا الوعيد الخاص ، وإن كان متوعدا عليه من جهة أخرى فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك.
قال الإمام أحمد (١) : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعد بن عبادة رضي الله عنه ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم» ، ثم رواه الإمام أحمد من حديث يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم فذكر مثله سواء.
(وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) (١٢٧)
يقول تعالى : وهكذا نجازي المسرفين المكذبين بآيات الله في الدنيا والآخرة (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) [الرعد : ٣٤] ولهذا قال : (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) أي أشد ألما من عذاب الدنيا وأدوم عليهم ، فهم مخلدون فيه ، ولهذا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم للمتلاعنين : «إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة» (٢).
(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى) (١٣٠)
يقول تعالى : (أَفَلَمْ يَهْدِ) لهؤلاء المكذبين بما جئتهم به يا محمد كم أهلكنا من الأمم المكذبين بالرسل قبلهم ، فبادوا فليس لهم باقية ولا عين ولا أثر ، كما يشاهدون ذلك من ديارهم الخالية التي خلفوهم فيها يمشون فيها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) أي العقول الصحيحة والألباب المستقيمة ، كما قال تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج : ٤٦] وقال في سورة الم السجدة : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) [السجدة : ٢٦] الآية.
ثم قال تعالى : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) أي لولا الكلمة السابقة من الله وهو أنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ، والأجل المسمى الذي ضربه الله
__________________
(١) المسند ٥ / ٢٨٥ ، ٣٢٣ ، ٣٢٧ ، ٣٢٨.
(٢) أخرجه مسلم في اللعان حديث ٤ ، وأبو داود في الطلاق باب ٢٧ ، والترمذي في تفسير سورة ٢٤ ، باب ٢ ، والطلاق باب ٢٢ ، والدارمي في النكاح باب ٣٩ ، وأحمد في المسند ١ / ٣١٠ ، ٢ / ١٩.