تعالى لهؤلاء المكذبين إلى مدة معينة ، لجاءهم العذاب بغتة ، ولهذا قال لنبيه مسليا له : (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) أي من تكذيبهم لك (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) يعني صلاة الفجر (وَقَبْلَ غُرُوبِها) يعني صلاة العصر ، كما جاء في الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا» (١) ثم قرأ هذه الآية.
وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عمارة بن رؤيبة قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» رواه مسلم (٣) من حديث عبد الملك بن عمير به ، وفي المسند والسنن عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة ، ينظر الى أقصاه كما ينظر الى أدناه ، وإن أعلاهم منزلة لمن ينظر إلى الله تعالى في اليوم مرتين» (٤).
وقوله : (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ) أي من ساعاته فتهجد به ، وحمله بعضهم على المغرب والعشاء ، (وَأَطْرافَ النَّهارِ) في مقابلة آناء الليل (لَعَلَّكَ تَرْضى) كما قال تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) [الضحى : ٥] وفي الصحيح «يقول الله تعالى يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك ، فيقول : هل رضيتم؟ فيقولون : ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ، فيقول : إني أعطيكم أفضل من ذلك ، فيقولون : وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا» (٥) وفي الحديث الآخر «يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه : فيقولون : وما هو؟ ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويزحزحنا عن النار ويدخلنا الجنة ، فيكشف الحجاب فينظرون إليه ، فو الله ما أعطاهم خيرا من النظر إليه ، وهي الزيادة» (٦).
(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ
__________________
(١) أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة باب ٢٦ ، والرقاق باب ٥٢ ، والتوحيد باب ٢٤ ، ومسلم في المساجد حديث ٢١١.
(٢) المسند ٤ / ١٣٦ ، ٤ / ٢٦١.
(٣) كتاب الصلاة حديث ١٣ ، ٢١.
(٤) أخرجه الترمذي في الجنة باب ١٧ ، وتفسير سورة ٧٥ باب ٢ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٣ ، ٦٤ ، ٤٥٠.
(٥) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٣٧ ، والرقاق باب ٥١ ، ومسلم في الإيمان حديث ٣٠٢ ، والجنة حديث ٩.
(٦) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ١٠ ، باب ١ ، وابن ماجة في المقدمة باب ١٣ ، وأحمد في المسند ٤ / ٣٣٣.