بعد ، أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا ، ولن تتركوا سدى ، وإن لكم معادا ينزل الله فيه للحكم بينكم والفصل بينكم ، فخاب وخسر وشقي عبد أخرجه الله من رحمته ، وحرم جنة عرضها السموات والأرض ، ألم تعلموا أنه لا يأمن عذاب الله غدا إلا من حذر هذا اليوم وخافه ، وباع نافدا بباق وقليلا بكثير وخوفا بأمان ، ألا ترون أنكم من أصلاب الهالكين ، وسيكون من بعدكم الباقين حتى تردون إلى خير الوارثين؟ ثم إنكم في كل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله عزوجل ، قد قضى نحبه وانقضى أجله حتى تغيبوه في صدع من الأرض في بطن صدع غير ممهد ولا موسد ، قد فارق الأحباب وباشر التراب ، ووجه الحساب ، مرتهن بعمله ، غني عما ترك ، فقير إلى ما قدم. فاتقوا الله قبل انقضاء مواثيقه ونزول الموت بكم ، ثم جعل طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يحيى بن نصير الخولاني ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني ابن لهيعة عن أبي هبيرة عن حنش بن عبد الله أن رجلا مصابا مر به عبد الله بن مسعود فقرأ في أذنه هذه الآية (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ) حتى ختم السورة فبرأ ، فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بما ذا قرأت في أذنه؟» فأخبره ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لو أن رجلا موقنا قرأها على جبل لزال».
وروى أبو نعيم من طريق خالد بن نزار عن سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه قال : بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سرية وأمرنا أن نقول إذا نحن أمسينا وأصبحنا (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) قال : فقرأناها فغنمنا وسلمنا.
وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا إسحاق بن وهب العلاف الواسطي ، حدثنا أبو المسيب سلمة بن سلام ، حدثنا بكر بن حنيس عن نهشل بن سعيد عن الضحاك بن مزاحم عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا السفينة باسم الله الملك الحق ، وما قدروا الله حق قدره ، والأرض جميعا فقبضته يوم القيامة ، والسموات مطويات بيمينه ، سبحانه وتعالى عما يشركون ، باسم الله مجراها ومرساها ، إن ربي لغفور رحيم».
(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) (١١٨)
يقول تعالى متوعدا من أشرك به غيره وعبد معه سواه ، ومخبرا أن من أشرك بالله لا برهان له ، أي لا دليل له على قوله ، فقال تعالى : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) وهذه جملة معترضة ، وجواب الشرط في قوله : (فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) أي الله يحاسبه على ذلك ،