هنالك الحكم لله الحق ، ثم منهم من رفع الحق على أنه نعت للولاية ، كقوله تعالى : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) [الفرقان : ٢٦] ومنهم من خفض القاف على أنه نعت لله عزوجل ، كقوله (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) [الأنعام : ٦٢] الآية ، ولهذا قال تعالى : (هُوَ خَيْرٌ ثَواباً) أي جزاء (وَخَيْرٌ عُقْباً) أي الأعمال التي تكون للهعزوجل ، ثوابها خير وعاقبتها حميدة رشيدة كلها خير.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (٤٦)
يقول تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ) يا محمد للناس (مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا) في زوالها وفنائها وانقضائها (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) أي ما فيها من الحب ، فشب وحسن ، وعلاه الزهر والنور والنضرة ، ثم بعد هذا كله أصبح (هَشِيماً) يابسا (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) أي تفرقه وتطرحه ذات اليمين وذات الشمال ، (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) أي هو قادر على هذه الحال وهذه الحال ، وكثيرا ما يضرب الله مثل الحياة الدنيا بهذا المثل ، كما قال تعالى في سورة يونس (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ) [يونس : ٢٥] الآية ، وقال في الزمر : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) [الزمر : ٢١] الآية ، وقال في سورة الحديد (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) [الحديد : ٥٠] الآية ، وفي الحديث الصحيح «الدنيا خضرة حلوة» (١) وقوله (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) كقوله : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ) [آل عمران : ١٤] الآية ، وقال تعالى : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن : ١٥] أي الإقبال عليه والتفرغ لعبادته خير لكم من اشتغالكم بهم ، والجمع لهم ، والشفقة المفرطة عليهم ، ولهذا قال : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً).
قال ابن عباس وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف : الباقيات الصالحات الصلوات الخمس. وقال عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير عن ابن عباس : الباقيات الصالحات سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وهكذا سئل أمير المؤمنين عثمان بن عفان
__________________
(١) أخرجه بلفظ : «إنّ الدنيا حلوة خضرة» : الترمذي في الفتن باب ٢٦ ، والزهد باب ٤١ ، وابن ماجة في الفتن باب ١٩ ، والدارمي في الرقاق باب ٣٧ ، وأحمد في المسند ٣ / ٧ ، ١٩ ، ٢٢ ، ٤٦ ، ٦١ ، ٧٤ ، ٢ / ٢٨؟؟؟.