رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها خمسين خريفا ، ثم تنتهي إلى غي وآثام» قال : قلت ما غي وآثام؟ قال : قال : «بئران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار» وهما اللذان ذكرهما الله في كتابه (أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) وقوله في الفرقان : (وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) [الفرقان : ٦٨] حديث غريب ورفعه منكر.
وقوله : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) أي إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات ، فإن الله يقبل توبته ويحسن عاقبته ويجعله من ورثة جنة النعيم ، ولهذا قال : (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) وذلك لأن التوبة تجبّ ما قبلها ، وفي الحديث الآخر «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (١) ولهذا لا ينقص هؤلاء التائبون من أعمالهم التي عملوها شيئا ، ولا قوبلوا بما عملوه قبلها فينقص لهم مما عملوه بعدها ، لأن ذلك ذهب هدرا وترك نسيا ، وذهب مجانا من كرم الكريم وحلم الحليم ، وهذا الاستثناء هاهنا كقوله في سورة الفرقان : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ ـ إلى قوله ـ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان : ٦٨ ـ ٧٠].
(جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) (٦٣)
يقول تعالى : الجنات التي يدخلها التائبون من ذنوبهم هي جنات عدن ، أي إقامة التي وعد الرحمن عباده بظهر الغيب ، أي هي من الغيب الذي يؤمنون به وما رأوه ، وذلك لشدة إيقانهم وقوة إيمانهم. وقوله : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) تأكيد لحصول ذلك وثبوته واستقراره ، فإن الله لا يخلف الميعاد ولا يبدله ، كقوله : (كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً) [المزمل : ١٨] أي كائنا لا محالة ، وقوله هاهنا : (مَأْتِيًّا) أي العباد صائرون إليه وسيأتونه ، ومنهم من قال (مَأْتِيًّا) بمعنى آتيا ، لأن كل ما أتاك فقد أتيته ، كما تقول العرب : أتت علي خمسون سنة ، وأتيت على خمسين سنة ، كلاهما بمعنى واحد.
وقوله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) أي هذه الجنات ليس فيها كلام ساقط تافه لا معنى له كما قد يوجد في الدنيا. وقوله : (إِلَّا سَلاماً) استثناء منقطع كقوله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) [الواقعة : ٢٥ ـ ٢٦] وقوله : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) أي في مثل وقت البكرات ووقت العشيات لا أن هناك ليلا ونهارا ، ولكنهم في أوقات تتعاقب يعرفون مضيها بأضواء وأنوار ، كما قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن
__________________
(١) أخرجه ابن ماجة في الزهد باب ٣٠.
(٢) المسند ٢ / ٣١٦.