(قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [المائدة : ١١٥] وقال تعالى عن ثمود حين سألوا آية ناقة تخرج من صخرة عينوها ، فدعا صالح عليهالسلام ربه فأخرج لهم منها ناقة على ما سألوه ، فلما ظلموا بها أي كفروا بمن خلقها وكذبوا رسوله وعقروها ، فقال (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) [هود : ٦٥]. ولهذا قال تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها) أي دالة على وحدانية من خلقها وصدق رسوله الذي أجيب دعاؤه فيها (فَظَلَمُوا بِها) أي كفروا بها ومنعوها شربها وقتلوها ، فأبادهم الله عن آخرهم وانتقم منهم وأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
وقوله تعالى : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) قال قتادة : إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون ، ذكر لنا أن الكوفة وجفت على عهد ابن مسعود رضي الله عنه ، فقال : يا أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه (١) ، وهكذا روي أن المدينة زلزلت على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرات ، فقال عمر : أحدثتم والله لئن عادت لأفعلن ولأفعلن. وكذا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الحديث المتفق عليه «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، ولكن الله عزوجل يخوف بهما عباده ، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره ـ ثم قال ـ يا أمة محمد والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته ، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا»(٢).
(وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً) (٦٠)
يقول تعالى لرسوله صلىاللهعليهوسلم محرضا على إبلاغ رسالته مخبرا له بأنه قد عصمه من الناس ، فإنه القادر عليهم وهم في قبضته وتحت قهره وغلبته. وقال مجاهد وعروة بن الزبير والحسن وقتادة وغيرهم في قوله : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) أي عصمك منهم ، وقوله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) الآية ، قال البخاري (٣) : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة ، عن ابن عباس (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) قال : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة أسري به ، (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٨ / ٩٩ ، ١٠٠.
(٢) أخرجه البخاري في الكسوف باب ١ ، ٦ ، ١٣ ، ١٥ ، ومسلم في الكسوف حديث ٦ ، ١٠ ، ١٧ ، ٢١ ، ٢٢ ، ٢٩ ، وابن ماجة في الإقامة باب ١٥٢ ، وأحمد في المسند ٦ / ٨٧ ، ١٦٨.
(٣) كتاب التفسير ، تفسير سورة ١٧ ، باب ٩.