وقوله : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) أي هذه الجنة التي وصفنا بهذه الصفات العظيمة ، هي التي نورثها عبادنا المتقين ، وهم المطيعون لله عزوجل في السراء والضراء ، والكاظمون الغيظ ، والعافون عن الناس ، وكما قال تعالى في أول سورة المؤمنين (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) إلى أن قال : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [المؤمنون : ١ ـ ١١].
(وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا(٦٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (٦٥)
قال الإمام أحمد (١) : حدثنا يعلى ووكيع قالا : حدثنا عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لجبرائيل : «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟» قال : فنزلت (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) (٢) إلى آخر الآية.
انفرد بإخراجه البخاري فرواه عند تفسير هذه الآية عن أبي نعيم عن عمر بن ذر به ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث عمر بن ذر به وعندهما زيادة في آخر الحديث فكان ذلك الجواب لمحمد صلىاللهعليهوسلم وقال العوفي عن ابن عباس احتبس جبرائيل عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فوجد رسول اللهصلىاللهعليهوسلم من ذلك وحزن فأتاه جبريل وقال : يا محمد (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) الآية.
وقال مجاهد لبث جبرائيل عن محمد صلىاللهعليهوسلم اثنتي عشرة ليلة ، ويقولون أقل ، فلما جاءه قال : «يا جبرائيل لقد رثت (٣) علي حتى ظن المشركون كل ظن» فنزلت (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) الآية. قال : وهذه الآية كالتي في الضحى ، وكذلك قال الضحاك بن مزاحم وقتادة والسدي وغير واحد : إنها نزلت في احتباس جبرائيل. وقال الحكم بن أبان عن عكرمة قال : أبطأ جبرائيل النزول على النبي صلىاللهعليهوسلم : أربعين يوما ، ثم نزل ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم «ما نزلت حتى اشتقت إليك» فقال له جبريل : بل أنا كنت إليك أشوق ولكني مأمور ، فأوحى الله إلى جبرائيل أن قل له (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) الآية ، ورواه ابن أبي حاتم رحمهالله وهو غريب.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن مجاهد قال : أبطأت الرسل على النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم أتاه جبريل فقال له «ما حبسك يا جبريل؟» فقال له جبريل : وكيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم ، ولا تنقون براجمكم (٤) ، ولا تأخذون
__________________
(١) المسند ١ / ٢٣١ ، ٣٣٤ ، ٣٥٧.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١٩ ، باب ٢ ، والتوحيد باب ٢٨ ، وبدء الخلق باب ٦ ، والترمذي في تفسير سورة ١٩ ، باب ٤.
(٣) لقد رئت علىّ : أي لقد أبطأت عليّ.
(٤) البراجم : هي العقود التي في ظهور الأصابع ، يجتمع فيها الوسخ ، الواحدة : برجمة ، وإنقاؤها : ـ