قلوبكم وأعمالكم» (١). وجاء في الحديث «إن الصدقة لتقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد السائل ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض» كما تقدم في الحديث ، رواه ابن ماجة والترمذي ، وحسنه عن عائشة مرفوعا ، فمعناه أنه سيق لتحقيق القبول من الله لمن أخلص في عمله وليس له معنى يتبادر عند العلماء المحققين سوى هذا ، والله أعلم.
وقال وكيع عن يحيى بن مسلم أبي الضحاك : سألت عامرا الشعبي عن جلود الأضاحي ، فقال : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) إن شئت فبع ، وإن شئت فأمسك ، وإن شئت فتصدق. وقوله : (كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ) أي من أجل ذلك سخر لكم البدن (لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) أي لتعظموه كما هداكم لدينه وشرعه وما يحبه ويرضاه ونهاكم عن فعل ما يكرهه ويأباه. وقوله : (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) أي وبشر يا محمد المحسنين أي في عملهم القائمين بحدود الله المتبعين ما شرع لهم المصدقين الرسول فيما أبلغهم وجاءهم به من عند ربه عزوجل.
[مسألة] وقد ذهب أبو حنيفة ومالك والثوري إلى القول بوجوب الأضحية على من ملك نصابا ، وزاد أبو حنيفة اشتراط الإقامة أيضا ، واحتج لهم بما رواه أحمد وابن ماجة بإسناد رجاله كلهم ثقات ، عن أبي هريرة مرفوعا : «من وجد سعة فلم يضح ، فلا يقربن مصلانا» (٢) على أن فيه غرابة ، واستنكره أحمد بن حنبل ، وقال ابن عمر : أقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم عشر سنين يضحي ، رواه الترمذي. وقال الشافعي وأحمد : لا تجب الأضحية بل هي مستحبة لما جاء في الحديث : «ليس في المال حق سوى الزكاة» وقد تقدم أنه عليه الصلاة والسلام ضحى عن أمته ، فأسقط ذلك وجوبها عنهم. وقال أبو سريحة : كنت جارا لأبي بكر وعمر ، فكانا لا يضحيان خشية أن يقتدي الناس بهما ، وقال بعض الناس : الأضحية سنة كفاية ، إذا قام بها واحد من أهل دار أو محلة أو بيت ، سقطت عن الباقين لأن المقصود إظهار الشعار.
وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن وحسنه الترمذي عن مخنف بن سليم أنه سمع رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يقول بعرفات : «على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة ، هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تدعونها الرجبية» (٣) وقد تكلم في إسناده. وقال أبو أيوب : كان الرجل في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته ، فيأكلون ويطعمون حتى تباهي الناس ، فصار كما ترى ، رواه الترمذي وصححه وابن ماجة ، وكان عبد الله بن هشام يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله ، رواه البخاري.
__________________
(١) أخرجه مسلم في البر حديث ٣٣ ، وابن ماجة في الزهد باب ٩ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٨٥ ، ٥٣٩.
(٢) أخرجه ابن ماجة في الأضاحي باب ٢ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٢١.
(٣) أخرجه أبو داود في الأضاحي باب ٦ ، والترمذي في الأضاحي باب ١٨ ، وابن ماجة في الأضاحي باب ٢ ، وأحمد في المسند ٤ / ٢١٥ ، ٥ / ٧٦.