التي لا أظعن ، فيدخل بيتا من رأسه إلى سقفه مائة ألف ذراع ، بناؤه على جندل اللؤلؤ طرائق : أحمر وأصفر وأخضر ، ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها. وفي البيت سبعون سريرا ، على كل سرير سبعون حشية ، على كل حشية سبعون زوجة ، على كل زوجة سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من وراء الحلل يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه ، الأنهار من تحتهم تطرد أنهار من ماء غير آسن.
قال : صاف لا كدر فيه ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ولم يخرج من ضروع الماشية وأنهار من خمر لذة للشاربين لم يعتصرها الرجال بأقدامهم ، وأنهار من عسل مصفى لم يخرج من بطون النحل فيستحلي الثمار ، فإن شاء أكل قائما وإن شاء قاعدا وإن شاء متكئا ، ثم تلا : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) [الإنسان : ١٤] فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض ، وربما قال أخضر ، فترفع أجنحتها فيأكل من جنوبها ، أي الألوان شاء ، ثم يطير فتذهب فيدخل الملك فيقول : سلام عليكم (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزخرف : ٧٢] ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت لأهل الأرض لأضاءت الشمس معها سواد في نور هكذا وقع في هذه الرواية مرفوعا ، وقد رويناه في المقدمات من كلام علي رضي الله عنه بنحوه ، وهو أشبه بالصحة ، والله أعلم.
وقوله : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) أي عطاشا (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ) أي ليس لهم من يشفع لهم كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض ، كما قال تعالى مخبرا عنهم : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) [الشعراء : ١٠١]. وقوله : (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) هذا استثناء منقطع بمعنى لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله والقيام بحقها. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) قال : العهد شهادة أن لا إله إلا الله ، ويبرأ إلى الله من الحول والقوة ، ولا يرجو إلا الله عزوجل (١).
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عثمان بن خالد الواسطي حدثنا محمد بن الحسن الواسطي عن المسعودي ، عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة ، عن الأسود بن يزيد قال : قرأ عبد الله يعني ابن مسعود هذه الآية (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) ثم قال : اتخذوا عند الله عهدا ، فإن الله يوم القيامة يقول : من كان له عند الله عهد فليقم ، قالوا : يا أبا عبد الرحمن فعلمنا. قال : قولوا : اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ، فإني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أن لا تكلني إلى عملي يقربني من الشر ويباعدني من الخير ، وإني لا أثق إلا برحمتك ، فاجعل لي عندك عهدا تؤديه إليّ يوم القيامة ، إنك لا تخلف الميعاد. وقال المسعودي : فحدثني زكريا عن القاسم بن عبد الرحمن ، أخبرنا ابن مسعود وكان يحلق بهن خائفا مستجيرا مستغفرا راهبا
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٨ / ٣٨١.