به ، متأوّلا في ذلك ولا يدري أنّه عاص ، بل كان ظانّا أنّ الأمر للندب مثلا أو النهي لكراهة.
وقال الله لنبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ* لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) (١) أنّه غاضب قومه ولم يوافق ذلك مراد الله ، فعوقب بذلك ، وإن كان ظانّا أنّ هذا ليس عليه فيه شيء ، وهذا هو ما أراده الله من نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم حين نهي عن مغاضبة قومه ، وأمر بالصبر على أذاهم ، وأمّا إخبار الله بأنّه استحقّ الذمّ والملامة لو لا النعمة التي تداركه بها للبث معاقبا في بطن الحوت(٢).
وذهب القاضي عياض في الشفا إلى جواز اجتهاد الأنبياء في الأمور الدنيويّة فقط ، مستدلّا بحديث تأبير النخل (٣). وقال كمال الدين ابن همام الدين الحنفي ، المتوفّى سنة ٨٦١ ه ، في كتاب التحرير : إنّ الرسول مأمور (بالاجتهاد مطلقا) في الأحكام الشرعية والحروب والأمور الدينيّة من غير تقييد بشيء منها (٤). وقال ابن تيميّة في غير ما يتعلّق بالتبليغ : إنّ الأنبياء كانوا دائما يبادرون بالتوبة والاستغفار عند الهفوة ، والقرآن شاهد عدل ، فهو لم يذكر شيئا من ذلك عن نبيّ من الأنبياء إلّا مقرونا بالتوبة والاستغفار (٥). وقال الغزّالي في المستصفى :
المختار جواز تعبّده بذلك ، لأنّه ليس بمحال في ذاته ، ولا يفضي إلى محال ومفسدة. فإن قيل : المانع منه أنّه قادر على استكشاف الحكم بالوحي الصريح ، فكيف يرجم بالظنّ؟! ؛ قلنا : فإذا استكشف فقيل له : حكمنا عليك أن تجتهد وأنت متعبّد به ، فهل له أن ينازع الله فيه ، أو يلزمه أن يعتقد أنّ
__________________
(١). القلم / ٤٨ و ٤٩.
(٢). انظر : الفصل ٢ / ٢٨٤ ـ ٢٨٧ و ٣٠٣ ـ ٣٠٤.
(٣). الشفا ٢ / ١٣٦ ـ ١٣٧.
(٤). راجع تيسير التحرير ـ شرح محمّد أمين الحنفي على كتاب التحرير ـ ٤ / ١٨٥.
(٥). انظر : منهاج السنّة ٢ / ٣٩٦ ـ ٤٠٣.