الأمّة على إلحاقه بأصل ؛ لأنّه صار أصلا بالإجماع والنصّ (١).
نقلنا كلامه بطوله لأنّه تلخيص لأقوالهم في المسألتين ، ويتلخّص من كلامهم أمور :
الأوّل : مساواة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لغيره من رعيّته في تجويز الاجتهاد ، وتجويز مخالفة غيره له في الاجتهاد.
الثاني : إنّ الإجماع وإطباق كافّة الأمّة هو الحجّة الأصل عندهم لأقوال النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم ، مع إنّ حجّيّة الإجماع لديهم مستقاة من الحديث النبوي.
الثالث : تسويتهم بين الموضوعات والأحكام الكلّيّة ، وبين الموضوع في الأمور العامّة والموضوع في الأمر الخاصّ بأحد المكلّفين ، مع إنّ الموازين المتّبعة في كلّ شقّ مختلفة عنها في الشقّ الآخر كما هو محرّر في أصول الفقه.
وقال الغزّالي في مسألة جواز الاجتهاد في زمان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المختار أنّ ذلك جائز في حضرته وغيبته ، وأن يدلّ عليه بالإذن أو السكوت ؛ لأنّه ليس في التعبّد به استحالة في ذاته ، ولا يفضي إلى محال ولا إلى مفسدة ، وإن أوجبنا الصلاح فيجوز أن يعلم الله لطفا يقتضي ارتباط صلاح العباد بتعبّدهم بالاجتهاد ؛ لعلمه بأنّه لو نصّ لهم على قاطع لبغوا وعصوا.
فإن قيل : الاجتهاد مع النصّ محال ، وتعرّف الحكم بالنصّ بالوحي الصريح ممكن ، فكيف يردّهم إلى ورطة الظنّ؟!
قلنا : فإذا قال لهم : أوحي إليّ أنّ حكم الله تعالى عليكم ما أدّى إليه اجتهادكم وقد تعبّدكم بالاجتهاد ، فهذا نصّ ، وقولهم : (الاجتهاد مع النصّ محال) مسلّم ، ولكن لم ينزل نصّ في الواقعة ، وإمكان النصّ لا يضادّ الاجتهاد ، وإنّما يضادّه نفس النصّ ؛ كيف؟! وقد تعبّد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالقضاء بقول الشهود حتّى قال : إنّكم لتختصمون إليّ ولعلّ بعضكم أن يكون
__________________
(١). المستصفى ٢ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦ القطب الرابع ، الفن الأوّل في الاجتهاد.