سيأتي في كتاب الاجتهاد لا يفرّق فيه بين الصحابي وغيره (١).
وذكر أنّ ما ورد من الثناء عليهم لا يوجب تقليدهم ، لا جوازا ولا وجوبا ، وإنّهصلىاللهعليهوآلهوسلم قد أثنى أيضا على آحاد الصحابة كأبي بكر وعمر وعليّ وزيد ومعاذ بن جبل وابن أمّ عبد ، مع إنّهم لا يتميّزون عن بقية الصحابة بجواز التقليد أو وجوبه.
التاسعة : حكى عن القاضي أنّه لا يرجّح أحد الدليلين المتعارضين بقول الصحابي ؛ لأنّه لا ترجيح إلّا بقوّة الدليل ، ولا يقوى الدليل بمصير مجتهد إليه (٢) ، واستقرب احتمال مصير الصحابي إلى أحد القولين أو أحد الدليلين لمجرّد الظنّ ، لا لاختصاصه بمشاهدة.
هذا ، فإذا كان مدار الحجّيّة المطلقة ـ عند الغزّالي وجماعة منهم معروفين ـ في قول شخص ما ، هو عصمته عن الغلط والسهو وعدم الخطأ ، وعدم جواز مخالفته ، فكيف يصوّرون حجّيّة قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المطلقة ولزوم طاعته ، ويجوّزون عليه الخطأ والاجتهاد الظنّي ، بل ومخالفة غيره له في الاجتهاد؟! في حين ينكر الغزّالي على القائلين بحجّيّة قول عمر وأبي بكر وبقية الصحابة بتمسّكهم بأخبار آحاد لا تثبت أصلا من أصول الأحكام التي لا بدّ فيها من القطع ، تراه يرفع يده عن قطعيات الآيات في لزوم متابعة النبيّ وعدم الخلاف عليه وعصمته ، بأخبار آحاد في تأبير النخل والمخالفة في الشفاعة ونحوها ، مع إنّ لها وجه من التأويل يتلاءم مع العصمة من الخطأ ، فما هذا إلّا تدافع ، وأقوال ينقض أوّلها آخرها!
ثمّ أليس كما قال الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهالسلام في صحيفته في وصفه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
... فرضت علينا تعزيره وتوقيره ومهابته ، وأمرتنا أن لا نرفع الأصوات على صوته ، وأن تكون كلّها مخفوضة دون هيبته ، فلا يجهر بها عليه عند
__________________
(١). المستصفى ٢ / ٤٥٨ ـ ٤٥٩.
(٢). المستصفى ٢ / ٤٦٥.