أليست هذه الآية في الموضوعات الخارجيّة والأمور العامّة في تدبير الحكم ، وأنّ النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم لو يتابع من أسلم معه لوقعوا في المشقّة والحرج العظيم ، ولكنّ الله حبّب إليهم طاعة الرسول ومتابعته وهو الإيمان ، وكرّه إليهم مخالفة الرسول التي هي كفر وفسوق وعصيان ، والرشاد إنّما يصيبه المؤمنون بمتابعة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا هو الفضل والنعمة من الله ، وكلّ هذا عن علم وحكمة منه تعالى.
فمع كلّ ذلك كيف يكون الرشاد في مخالفة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد قال تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً* وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً* فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً* أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً* وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً* فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١)؟!
وفي هذه الآيات عدّة أحكام :
الأوّل : لزوم ردّ كلّ شيء يختلف فيه إلى الله وإلى الرسول ، وأنّ ذلك مقتضى الإيمان بالله وبالمعاد ، فكيف يرجع إلى الظنون مقدّمة على الرجوع والردّ إلى الله وإلى رسوله؟!
الثاني : إنّ الاحتكام في الأمور إلى غير ما أنزل الله على رسوله تحاكم إلى الطاغوت وضلال ونفاق وظلم للنفس.
__________________
(١). النساء / ٥٩ ـ ٦٥.