وعلى هذا ، فلم لا يحتمل القائل خطأ أصحاب السقيفة في بيعتهم ، وخطأ اجتهادهم مع وجود النصّين القرآني والنبوي على إمامة عليّ عليهالسلام؟! ولم يدّعي القائل امتناع احتمال ذلك؟! وكيف يبيّن الملازمة بين فضيلة الشيخين ، وبين امتناع خطأ اجتهادهما ، بعد فرض تسليمه بعدم عصمتهما؟! وإذا كانت المسألة اجتهاديّة فلم لا يسوّغ الاجتهاد المخالف؟!
أم هي بمعنى حجّية روايتهم كرواة ثقات ، بحدود حجّيّة قول الراوي في الخبر؟! ثمّ ما هو الغرض المترتّب على سدّ الحديث والكلام عمّا وقع منهم وبينهم؟! وكيف يتلاءم ذلك مع دعوى الاقتداء بهم ، إذا لم تعرف سيرتهم وأعمالهم؟!
ونذيّل المقال ببعض الأحاديث التي ذكرها أصحاب الصحاح :
١. روى البخاري في صحيحه ، عن أبي وائل ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : «إنّ المنافقين اليوم شرّ منهم على عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كانوا يومئذ يسرّون واليوم يجهرون» (١).
وهو مثار سؤال واجه كثيرا من الباحثين في التاريخ الإسلامي ؛ إذ أنّ القرآن الكريم في سوره المباركة أشار إلى مشكلة كبيرة وخطيرة كانت قائمة تواجه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمين ، وهي أصناف وطوائف المنافقين ، وقد أشرنا في ما سبق إلى بعض تلك السور الكريمة ، ولا يفتأ القرآن يتابعهم في كلّ خطواتهم ، التي كانت خطيرة على أوضاع المسلمين حتّى آخر حياة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولكن فجأة لا يرى الباحث في التاريخ وجودا لهذه المشكلة بعد وفاة الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم! فهل إنّ أفراد طوائف ومجموعات النفاق قد تابوا وآمنوا بعد وفاة النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم؟! أم إنّ الوضع ـ كما يصفه حذيفة بن اليمان ، الخبير بمعرفة المنافقين ، كما في روايات الفريقين ، والذي شهد مؤامرة العقبة التي دبّرت في غزوة «تبوك» لاغتيال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ عاد مؤاتيا لتحرّكهم وفسح المجال لهم بالجهر بمقاصدهم التي يحيكونها
__________________
(١). صحيح البخاري ٩ / ١٠٤ ح ٥٦ كتاب الفتن ب ٢١.