ولن يزدادوا إلّا خطأ ، لا ينالون تقرّبا ، ولن يزدادوا إلّا بعدا من الله عزوجل ؛ لشدّة أنس بعضهم ببعض ، وتصديق بعضهم لبعض.
كلّ ذلك حيادا ممّا ورّث الرسول النبيّ الأمّيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونفورا عمّا أدّى إليهم من أخبار فاطر السموات والأرض العليم الخبير ، فهم أهل عشوات ، وكهوف شبهات ، وقادة حيرة وضلالة وريبة. من وكّله الله إلى نفسه ورأيه فاغرورق في الأضاليل فهو مأمون عند من يجهله ، غير متّهم عند من لا يعرفه ، فما أشبه أمّة صدّت عن ولاتها بأنعام قد غاب عنها رعاؤها.
هذا ، وقد ضمن الله قصد السبيل (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١).
أيّتها الأمّة المتحيّرة بعد نبيّها في دينها ، التي خدعت فانخدعت ، وعرفت خديعة من خدعها فأصرّت على ما عرفت ، واتّبعت أهواءها ، وخبطت في عشواء غوايتها ، وقد استبان لها الحقّ فصدعت عنه ، والطريق الواضح فتنكّبته.
أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو كنتم قدّمتم من قدّم الله ، وأخّرتم من أخّر الله ، وجعلتم الولاية والوراثة حيث جعلها الله ، واقتبستم العلم من معدنه ، وشربتم الماء بعذوبته ، وادّخرتم الخير من موضعه ، وأخذتم الطريق من واضحه ، وسلكتم الحقّ من نهجه ؛ لنهجت بكم السبل ، وبدت لكم الأعلام ، وأضاء لكم الإسلام ، فأكلتم رغدا وما عال فيكم عائل ، ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد ، ولكنّكم سلكتم سبل الظلام ، فأظلمت عليكم دنياكم برحبها ، وسدّت عليكم أبواب العلم فقلتم بأهوائكم ، واختلفتم في دينكم فأفتيتم في دين الله بغير علم ، واتّبعتم الغواة فأغووكم ، وتركتم الأئمّة
__________________
(١). الأنفال / ٤٢.